حديث الجمعةشهر صفر

حديث الجمعة 383 : أربعين الإمام الحسين عليه السَّلام – كلماتٌ إلى جمهور الأربعين – ما حدث في دمستان وكرزكان

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ المعصومين، وبعد فمع هذه العناوين:


أربعين الإمام الحسين عليه السَّلام:


إحياءً لأربعين الإمام الحسين تزحفُ الملايينُ مِنْ عُشَّاقِ الحسين إلى كربلاءِ الحسينِ شعارهم (لبَّيكَ يا حسين).


وهكذا تتحدَّى هذه الملايينُ الزَّاحفةُ إلى كربلاء كلَّ العنفِ والإرهابِ، ولسان حالها يقول:


“لو قطَّعوا أرجلَنَا واليدين.. نأتيكَ زحْفًا سيِّدي يا حسين”.
ماذا تعني أربعين الإمام الحسين؟
تعني (أنَّنا نجدِّدُ عاشوراء الحسين).
وماذا يعني أنْ نجدِّدَ عاشوراء الحسين؟
يعني [أوَّلًا] أنْ نجدِّد حُزنَ عاشوراء.
ويعني [ثانيًا] أنْ نجدِّدَ وعي عاشوراء.
ويعني [ثالثًا] أنْ نجدِّدَ قيم عاشوراء.
فلا يصح التفكيك بين هذه المعطيات الثلاثة.


نحاول أنْ نقرأ هذه المعطيات:


المعطى الأوَّل:
أنْ نجدِّدَ حُزنَ عاشوراء:
الحزنَ الساكنَ في كلِّ قلب…
والدمعةَ المقيمةَ في كلِّ عين…
والجرحَ النازفَ في كلِّ جسد…
دعونا نستحضر مشهد الحزن العاشورائي..
نستحضر مشهدًا من مشاهد حُزن عاشوراء..
هناكَ هناكَ على أرض كربلاء، وقف السِّبط الحسين وحيدًا فريدًا، يلتفت هنا وهناك… أمامه أجسادٌ مضرجةٌ بالدماء، رمالٌ حمراءُ تحتضن الأشلاء، ضحايا راقدة فوق ثرى كربلاء، أخوه العباس عند النهر مقطوع اليدين مخسوف الرأس والعين، شبله الأكبر مزقت جسده السيوف، ابن أخيه القاسم مثخن بالجراحات والطعنات، أصحابه عانقوا الموت…
وهو ينادي: أما من مغيث يغيثنا؟ أما من ذاب يذبّ عن حرم رسول الله؟
فلا يجاوبه إلَّا صدى نسوة نوائح…
وآهات صبية وصبايا باكيات…
وصراخ أطفال ظمأى إلى قطرة ماء…
وأنّات عليلٍ يكابد الآلام…
وأمَّا زينب الصمود فوقفت تقدِّم إلى أخيها جواد المنية…
• في يوم عاشوراء اصطفت حشود الضلال، ازدحمت في داخلها كلُّ معاني الخسَّةِ والحقارة، وصمَّمت أنْ تقتل الحسين…
• في يومِ عاشوراءَ قبعتْ ذئابٌ بشريةٌ مسعورةٌ تتلظَّى ظمأً لترتوي من دم الحسين…
• في يومِ عاشوراءَ شُهرتْ سيوفٌ ورماحٌ مجنونةٌ تتلمَّظُ شوقًا إلى نحر الحسين…
• في يومِ عاشوراءَ وقف لئيم حاقدًا يحمل حجرًاطائشًا لم يجد له هدفًا إلَّا جبهة الحسين…
• في يومِ عاشوراءَ أعدَّ حرملةُ الخبيث سهمًا حاقدًا ذبح به الطِّفلَ الرَّضيعَ من الوريدِ إلى الوريد…
• في يومِ عاشوراءَ أرسل حرملةُ الزنيم سهمًا مثلَّثًا مزَّق قلبَ الحسين…
• في يومِ عاشوراءَ ارتقى الشمرُ اللَّعينُ صدر الحسين…
• في يومِ عاشوراءَ حزَّ الشمرُ اللَّعينُ نحر الحسين…
• في يومِ عاشوراءَ أوطأوا الخيل جسد الحسين…
• في يوم عاشوراء امتدت الأيدي الخائنة لتسلب الجسد المقدَّس…
• في يوم عاشوراء أضرموا النار في أخبية الرسالة…
• في يوم عاشوراء مارسوا كلّ ألوان الخسَّة والحقارة:
– طفلةٌ ينزع قرطها…
– امرأة تُسلبُ ملحفتها…
– سياط تلاحق النساء والأيتام…
– عليل مُكبَّل بالأقياد…
هذا بعض حزن عاشوراء…


المعطى الثّاني:
أنْ نجدِّد وعي عاشوراء:
حينما يغيب الوعي العاشورائي تصبح العواطف مهدَّدة بالانحراف، والانفلات، والتخلُّف، وهذا ما يفسِّر بروز ممارساتِ عاشورائيةٍ وأربعينية متخلِّفةٍ جدًا، وخارجةٍ عن ضوابط الشَّرع، أو مسيئة للمذهب ولسمعة عاشوراء…
وإذا كنَّا نؤكِّد على قيمة الحزن العاشورائي فإنَّنا نؤكِّد كذلك على ضرورة وأهمية الوعي العاشورائي…
برزت في الآونة الأخيرة دعوة خطيرة جدًا يتبنَّاها خطباء منبر، ومسؤولو حسينيات، هذه الدعوة تقول: إنَّ موسم عاشوراء يجب أنْ يكرَّس للنعي والبكاء، وأنْ يُقلَّل قدر الإمكان طرح المفاهيم والمواعظ، فالهدف الأساس لموسم عاشوراء هو إنتاج الحزن والدمعة…
نرفض هذا الاتجاه بقوة ونحذِّر منه، كونه يصادر أهداف عاشوراء، ويُعطِّل دور المنبر في بناء الأجيال العاشورائية الواعية الملتزمة…
وليس من حقِّ الخطباء ولا مسؤولي الحسينيات أن يعطِّلوا بعض وظائف الحسينيات أو المنابر فهذا خلاف ما أوقفت عليه هذه المجالس، وخلاف ما دفعت من أجله الأموال، موقوفةً كانت أو متبرَّعة..


المعطى الثَّالث:
أنْ نجدِّد قيم  عاشوراء الروحية والأخلاقية والسلوكية والرسالية:
لا قيمة لعواطف عاشورائية، ولا قيمة لمفاهيم عاشورائية إذا بقيت هذه العواطف مجرَّد مشاعر وانفعالات، وإذا بقيت هذه المفاهيم قابعةً في العقول فقط…
القيمة كلّ القيمة حينما تتحوَّل العواطف العاشورائية وحينما تتحوَّل المفاهيم العاشورائية إلى فعلٍ وسلوك وممارسات صادقة…
عاشوراء تريدُ منَّا (تقوى عاشورائية).
عاشوراء تريدُ منَّا (روحانية عاشورائية).
عاشوراء تريدُ منَّا (قيمًا عاشورائية).
عاشوراء تريدُ منَّا (حراكاتٍ عاشورائية).
حراكاتٍ ثقافية، حراكاتٍ تربوية، حراكاتٍ اجتماعية، حراكاتٍ سياسية، حراكاتٍ جهادية…
بشرط أنْ تخضع هذه الحَراكات إلى (ترشيد فقهي بصير) ولا تُترك لمزاجات الأفراد والشَّارع…
• هنا يطرح سؤال مهم:
كيف يجب أنْ يتعاطى الموسم العاشورائي مع الشَّأن السِّياسي؟
توجد ثلاثة اتجاهات:
• ضرورة إبعاد الموسم العاشورائي كلِّيًا عن الشَّأن السِّياسي..
• ضرورة أنْ يكون للموسم العاشورائي حضوره الفاعل في كلِّ تفاصيل الشَّأن السِّياسي..
• الموازنة بين الاتجاهين السَّابقين..
وهذا الاتجاه هو ما أعتقد صحته…
أولًا: الاستغراق في الشأن السياسي يفقد الموسم طابعه العاشورائي فيجب أن يبقى الفارق:
– بين المجلس الحسيني والندوة السياسية.
– بين الموكب الحسيني والمسيرة السياسية.
ثانيًا: لا يجوز نقل التوترات الأمنية إلى أجواء الموسم العاشورائي، ولا يصح اقحام الموسم في المعتركات السياسية..
ثالثًا: وهذا لا يعني أن يصمت الموسم العاشورائي صمتًا كاملًا عن قضايا الشعب، ومطالب الشعب، وعن أخطاء السياسة… نعم التعاطي مع الشأن السياسي في حاجة إلى:
– لغة رشيدة
– بصيرة شرعية
– رؤية سياسية
كما يجب تحديد مساحة وشكل التعاطي.
في كلمة لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم:
“فرق بين التوعية السياسية والمطالبة بالإصلاح السِّياسي، والإصرار في الكلمة على العدل وعلى المطالب السياسية التي يصلح بها الوضع، فرق بين هذا كله وبين نقل حالة التوتر الأمني والمواجهات الحادة الساخنة إلى موسم عاشوراء وأجواء عاشوراء”.



كلماتٌ إلى جمهور الأربعين:
الكلمة الأولى:

التأكيد على شعار المحبَّة والأخوَّة والوحدة والتقارب:
هذا هو هدف الموسم العاشورائي والموسم الأربعيني، فيا جمهور عاشوراء، ويا جمهور الأربعين، كونوا دعاة محبَّة وأخوَّة ووحدة وتقارب لا دعاة كراهية وعداوة وفرقة وخلاف…
وحذارِ حذارِ من منتجات وشعارات الفتن المذهبية والطَّائفية…


الكلمة الثَّانية:
التأكيد على شعار التسامح والاعتدال والسَّلام:
يا جمهور الأربعين لا تكونوا دعاة عنفٍ وإرهاب وتطرُّف، بل كونوا دعاة تسامح واعتدال وسلام.. هذا هو شعار عاشوراء الحسين وشعار أربعين الحسين…


العنف– طال أرواحًا أو أموالًا أو أعراضًا – هو عنفٌ مُحرَّمٌ ومجرَّم في نظر الدِّين والشَّرع.. سواءً استهدف هذا العنف أشخاصًا من عامة النَّاس أو رموزًا أو محسوبين على أنظمة الحكم…
فالعنف مرفوض ومدان بكلِّ أشكاله واستهدافاته، وكلّ منتجات العنف مرفوضة ومدانة سواءً أكانت سياسات أنظمة حاكمة، أو خطابات متطرِّفة، أو جُنوحات إرهابية، أو اجتهادات دينية مزوَّرة…


الكلمة الثَّالثة:
الحفاظ على أصالة وشرعية مراسم العزاء:
يا جمهور الأربعين جنِّبوا هذه المراسم العزائية كلَّ ما ينحرف بها عن أهدافها التي أرادها الإمام الحسين، وعن مساراتها الخاضعة لضوابط الشَّرع، ولا تتركوا للمزاجات الشخصية أنْ تعبث بأصالة ونقاوة المراسم الأربعينية هذه المراسم أصبحت تحت نظر وسمع كلِّ العالم، من خلال الفضائيات ووسائل الإعلام والتواصل فيجب على جمهورنا الكريم أنْ يُجنِّب المراسم كلَّ ما يسيئ إلى سمعة الشَّعائر والمراسم ويسيئ إلى سمعة المذهب…


الكلمة الرَّابعة:
الحفاظ على نظافة وأخلاقية أجواء الموسم الأربعيني:
يا جمهور الأربعين حافظوا على قداسة الأجواء الأربعينية، وحصِّنوها ضدَّ كلّ الاختراقات المنفلتة، والخارجة عن ضوابط الشَّرع كالحضور النِّسائي غير الملتزم بالستر الشرعي، وبالعفَّة الدينية، وكالاختلاطات التي تقود إلى مخالفات شرعية، وإلى تجاوزات شرعية، فيجب التصدِّي لها، وإيجاد الأجواء النظيفة، إنَّها ليست مسؤولية العلماء، والقائمين على شؤون هذا الموسم، بل هي مسؤولية كلّ الجمهور العاشورائي والأربعيني فهذا الجمهور أمين على استمرار المراسم وعلى نظافة أجوائها…
وبهذه المناسبة فإنِّنا نشدُّ على أيدي العاملين في اللجنة التي تشكَّلت منذ زمنٍ طويل في العاصمة، والمتصدِّية لحراسة أجواء المراسم العزائية، وهذه اللجنة مؤيَّدة من قبل العلماء الأفاضل، فجزى الله شبابنا المؤمن خير الجزاء على ما يبذلونه في العمل من عناء وتعب وسهر وتضحية، لا يرجون بذلك إلَّا وجه الله، ونتمنَّى أنْ تتشكَّل لجان رقابة في كلِّ المناطق لحماية وحراسة أجواء المواسم العزائية…


كلمة أخيرة:
إنَّنا ندين بشدة ما حدث في دمستان وكرزكان، والذي راح ضحية الأول منهما شرطي أردني – حسب الرواية الرسمية – وراح ضحية الثاني منهما المواطن الحاج عبد الكريم البصري، إنّ الاعتداء على الأرواح جرم كبير لا يقره عقل ولا دين ولا أعراف ولا قوانين، فيجب على كلِّا  العقلاء والخيرين والغيارى على أرواح البشر أن يتصدوا لكل أشكال العنف والإرهاب والتطرف مهما كانت الجهة التي تصدر ذلك ومهما كانت الجهة التي تمارس ذلك.



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى