حديث الجمعةشهر شعبان

حديث الجمعة 19 : محاسبة علاقتنا بالإمام المهدي المنتظر (عج)

الانتظار المشلول


هذه المناسبة فرصة مهمة لنحاسب من خلالها “علاقتنا بالإمام المنتظر”
ما هو مستوى هذه العلاقة
ما هو مستوى حضور الإمام (عندنا).
1- الغياب.
2- الحضور في العواطف والمشاعر.
3- الحضور في الأدعية والأذكار.
4- الحضور في السلوك.
5- الحضور في الواقع الرسالي.
6- الحضور في التهيؤ والاستعداد.


 بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدتا محمد وعلى آله الهداة المعصومين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته….
تحدثت الروايات الكثيرة عن (انتظار الإمام القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله):
* عن أمير المؤمنين عليه السلام: (أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله)
* وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير كمن جاهد والله مع قائم آل محمد  صلى الله عليه وآله بسيفه.
ثم قال: بل والله كمن جاهد مع رسول الله  صلى الله عليه وآله
بسيفه.
ثم قال الثالثة: بل والله كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في فسطاطه.
* وعن مسعدة قال: كنت عند الصادق عليه السلام إذ أتاه شيخ كبير، قد انحنى، متكئا على عصاه، فسلم فرد عليه أبو عبد الله الجواب..
ثم قال: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله ناولني يدك لأقبلها، فأعطاه فقبلها ثم بكى.. ثم قال أبو عبد الله: ما يبكيك يا شيخ؟
فقال: جعلت فداك أقمت على قائمكم منذ مائة سنة، أقول: هذا الشهر، وهذه السنة، وقد كبر سني ورق جلدي، ودق عظمي، واقترب اجلي، ولا أري فيكم ما أحب، أراكم مقتولين مشردين، وأرى أعداءكم يطيرون بالأجنحة، وكيف لا أبكي؟
فدمعت عينا أبي عبد الله عليه السلام ثم قال : يا شيخ إن أبقاك الله حتى ترى قائمنا كنت في السنام الأعلى، وان حلت بك المنية جئت يوم القيامة مع ثقل محمد صلى الله عليه وآله ونحن ثقله, فقال صلى الله عليه وآله : أني مخلف فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
فقال الشيخ: لا أبالي بعد ما سمعت هذا الخبر.
إذا كان الانتظار يملك هذا المستوى الكبير من القيمة في وعي مدرسة أهل البيت عليهم السلام كما أكدت ذلك الروايات والأحاديث


فكيف يمكن أن نمارس الانتظار؟
كثيرون يمارسون الانتظار بشكل مشلول والانتظار المشلول هو الانتظار الذي لا يملك قدرة إنتاج الحركة والفاعلية ولتوضيح الفكرة اكثر نحاول أن


نستعين بالتطبيقات التالية
التطبيق الأول: الانتظار تمنيات وأشواق..
فهل يمكن أن نفهم الانتظار هو مجرد تمنيات نفسية تتحرك في داخل الإنسان الشيعي وهو يحترق شوقا إلى لقاء الإمام المرتقب؟
لا شك أن هذا الشوق الصادق هو جزء الانتظار، بل هو الذي يعطي الانتظار طاقته وحرارته,ولكن التمنيات والأشواق وحدها لا تمثل “الانتظار الحقيقي”..


فهل أن الخواطر والمشاعر إذا بقيت راكدة ولم تتحول إلى وعي، وحركة، وسلوك وعمل، وجهاد، وتضحية وعطاء …. تجسد معنى الانتظار؟
خواطر ومشاعر مشلولة على هذا المستوى هل يمكن أن تجعل صاحبها في عداد المنتظرين والذين هم كمن جاهد مع قائم آل محمد صلى الله عليه وآله، بل كمن جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله، بل كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله في فسطاطه.
من الغباء والحماقة أن نضع الكسالى الخاملين في عداد المجاهدين والمستشهدين…


الشوق الحقيقي إلى لقاء الإمام المهدي(ع) يفرض الاستعداد الحقيقي لهذا اللقاء، وماذا يعني “الاستعداد” للقاء الإمام(ع).
ماذا يريد منا الإمام(ع) حينما يظهر؟ ما هي مسؤولياتنا حينما يظهر الإمام(ع)؟
هذه المسؤوليات هي التي تحدد” شكل الاستعدادات”
المسؤوليات على ثلاثة مستويات:
المستوى الأول: مستوى الكوادر القيادية.
 وهؤلاء يملكون أعلى المؤهلات والكفاءات
المستوى الثاني: مستوى الجنود المقاتلين
وهؤلاء يملكون كفاءة عالية لأن يكونوا جنودا للإمام .
المستوى الثالث: القاعدة التي تساند حركة الإمام (ع)
وهؤلاء أيضا يجب إن يتوافروا على مؤهلات كافية تجعلهم يشكلون القاعدة الصالحة.


والخلاصة
أن العواطف مهما تصاعدت، لا تشكل انتظارا إذا لم تتحول إلى” استعدادات حقيقية ليوم الظهور
.


التطبيق الثاني: طائفة كبيرة من الناس يفهمون الانتظار ويعيشون الانتظار من خلال (الأذكار والأدعية والزيارات)
لا إشكال في أن الأذكار والأدعية تمثل بعدا هاما من أبعاد التعاطي مع قضية الإمام المنتظر ولها دور-حينما تمارس بوعي واخلاص- في خلق حالة الانصهار الروحي والوجداني مع الإمام المنتظر(ع)
وقد ورد التأكيد على مجموعة أدعية (العهد، الندبة، الدعاء بتعجيل الفرج) كما أن زيارة الإمام الحجة في كل لها دورها الكبير في تأصيل الارتباط بالإمام(ع) حينما تمارس بوعي وبصيرة وصدق..


إلا إن الأذكار والأدعية والزيارات وحدها لا تشكل “الانتظار الحقيقي”,أنها تهيئ “الأجواء النفسية” للانتظار بشرط أن تمارس بوعي وصدق.
* الإمام الخميني (رض) كان ملتزما بقراءة دعاء العهد
* الشهيد السيد الصدر كان يعي معنى الدعاء والانتظار
* الاستشهاديون من أبناء حزب لله كانوا يفهمون معنى الانتظار
الانتظار الروحي البحت الذي لا يهيئونا على مستوى (الاستعداد الحقيقي) لاستقبال الإمام (ع) وفق المستويات السابقة (الكوادر- القيادة – الجنود – القاعدة).


هذا الانتظار الروحي البحت يسجننا في أجواء مغلقة جدا، كما هي أجواء المتصوفين في حلقاتهم المخنوقة، فلا تتنفس من خلالها إلا”تمتمات” و”انفعالات” وقد يتصاعد ( الوجد والهيام) عندنا إلى حد (الصراخ والعويل).
وماذا وراء ذلك؟
لا شيء.. فنبقى نمارس الانتظار ضمن هذه المساحة من الأذكار والأدعية وضمن هذه الدوائر المغلوقة التي تعبر عن أجواء (التنفيس) أو تعبر عن” آهات الوجد”.


حيح جداً لو أن (الدعاء والذكر) أصبح جزءاً من صيغة كاملة للانتظار، عند ذلك سوف يؤدي (الدعاء والذكر) دوره الفاعل في إنتاج (حركة الانتظار) وعندها يصبح “الدعاء والذكر” ضرورة لخلق “استعدادات الانتظار”
وكذلك (الزيارة) وهي تعبير عن الحب المشدود إلى الإمام المنظر، إذا أصبحت جزءا من مشروع الانتظار فسوف تساهم في صنع “الاستعداد والتهيؤ” لظهور الأمام (ع), إلا أن الانتظار المشلول صاغ من الزيارة أداة جامدة حولت “المنتظرين” إلى مجموعة من الناس يعيشون الاسترخاء في أحضان الكلمات.


فالزيارة إذا لم تنتج انتماءا صادقا يتجسد في واقع متحرك في خط الانتظار الواعي، فإنها تشكل وسيلة لاستهلاك العواطف والمشاعر وربما حاول الذين يستهدفون (الشلل) في حركة الأمة تنشيط الفهم البليد لمسألة الانتظار من خلال تفريخ هذه الممارسات (الدعاء، الذكر، الزيارة) من مضامينها الأصيلة، ودلالاتها الفاعلة.


التطبيق الثالث:
هناك من يفهم الانتظار بأنه “تعطيل” المسؤوليات الرسالية والتغييرية في عصر غيبة الأمام المهدي(ع)، (وتجميد) مهمة الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، “واعتزال” كل الفعاليات الاجتماعية والثقافية والسياسية والجهادية، “وارجاء” ذلك إلى مرحلة الظهور.
 وقد تطور هذا الفهم الخاطئ جدا عند البعض إلى “اتجاه انحرافي خطير” يصوغ رؤيته على أساس أن “الشرط الموضوعي” لظهور الإمام المهدي(ع) هو “إمتلاء” الأرض بالمفاسد والانحرافات والمظالم- كما نصت على ذلك الروايات والأحاديث- فأي محاولة تتحرك لإنعاش (الواقع الانحرافي) تشكل مساهمة جادة في توفير (الشرط الموضوعي) للظهور..
ولنا حول هذا الفهم الخطير مجموعة ملاحظات


 الملاحظة الأولى:
هذه التصورات الخاطئة او المنحرفة أعطت “المبرر” لأولئك المشككين والرافضين لقضية الإمام المنتظر.
وان كان هذا اللون من التشكيك فيه مغالطة منهجية..


الملاحظة الثانية:
هذا اللون من الفهم للانتظار يعبر عن جهل فاضح:
• بالإسلام وأحكام الإسلام
• وبقضية الإمام المنتظر
• وبمسؤولية الإنسان المسلم


الملاحظة الثالثة:
هذا الفهم المنحرف للانتظار قد تغذيه بعض الاتجاهات المعادية للإسلام.
ولا شك أن القوى المناهضة للإسلام لا تريد للأمة أن تعيش”النهوض السياسي”
“والنهوض الثقافي” و”النهوض الاجتماعي” فمن الخطر على هذه القوى والتيارات أن يتنامى “الوعي الإسلامي الأصيل” عند جماهير الأمة، لأن ذلك يعني أن يكون للإسلام حضوره السياسي والثقافي والاجتماعي، وهذا ينتج انحسارا لتلك القوى المناهضة.
فمن مصلحة تلك القوى أن ينخفض وعي الجماهير وتتجمد حركتها، ولذلك فهي تحاول أن تغذي الفهم المتخلف والفهم المنحرف، لأنها بذلك تحقق هدفين كبيرين:


الهدف الأول: الإساءة إلى مفاهيم الإسلام وأفكاره.
الهدف الثاني: تحجيم دور الإسلام وتجميد فعاليته.
– فيجب على جماهيرنا أن تملك (الوعي والبصيرة) لكي تواجه محاولات الاختراق الثقافي والاجتماعي والسياسي.
– مسؤولية العلماء والدعاة والمبلغين والمثقفين الإسلاميين في صياغة هذا الوعي، وحماية واقع الأمة ضد محاولات الاختراق.


الملاحظة الرابعة:
هذا الفهم المنحرف يساهم في تعطيل أخطر التكاليف الإسلامية وهي:
1- الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- العمل من أجل تحكيم الإسلام.
3- إفساح المجال للأفكار والمبادئ والقوانين اللإاسلامية أن تهيمن على واقع المسلمين.
إن مشروع التقنين للأحوال الشخصية وإحالتها إلى المجلس التشريعي الوضعي اتجاه صريح لإقصاء الإسلام.
وقد يقال أن المجلس التشريعي لن يشرع ما يخالف الإسلام لأن الدستور ينص…
وليس غريبا أن تكثف وسائل الإعلام والسياسة والثقافة التي تعتمد “النهج التغريبي والعلماني” دورها في محاربة “الحضور الإسلامي”، وفي التصدي للمشروع النهضوي الإسلامي، وفي الترويج للمقولات التي تحاول أن تشوه مفاهيم الدين وقيمه.
وفي هذا الاتجاه تتحرك الدعوة إلى المفاصلة بين الدين والسياسة.
وفي هذا السياق تتحرك مسألة اتهام الإسلاميين بالإرهاب والعنف والتطرف.
إن مشروع مكافحة الإرهاب الذي تتزعمه أمريكا هو مشروع للهيمنة السياسية والأمنية والاقتصادية والعسكرية على مقدرات العالم الإسلامي. وما هذه الاستعدادات المستنفرة لضرب العراق إلا واحدة من حلقات هذا المشروع، وما يطرح من مبررات ما هي إلا ذريعة لتبرير هذا الهجوم وهذا الاعتداء، فبإمكان بوش وإدارته إنهاء نظام صدام من دون هذا الدمار الشامل للعراق وأرض العراق، وشعب العراق، واقتصاد العراق، لكنه مشروع السيطرة والهيمنة وتثبيت الأقدام الأمريكية على أرض العراق.
فالمسلون جميعا – حكاما وشعوبا – مسؤولون أن يعلنوا الرفض لهذا الاعتداء الظالم، ليس دفاعا عن نظام الإجرام في بغداد وإنما هو الموقف في الدفاع عن العراق وأرضه وشعبه ومقدساته. وفي التصدي لمشروع الهيمنة الأمريكية على مقدرات العرب والمسلمين.
ومن المؤسف أن لا نجد في موقف الأنظمة العربية والإسلامية، ولا في موقف الشعوب العربية والإسلامية أي صدى للرفض والاحتجاج والمعارضة.


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى