حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 232: زيغ القلوب – دولة القانون والمؤسّسات – إجراءاتٌ بشأن مكبّرات الصّوت

بسم الله الرحمن الرّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين، محمدٍ وعلى آله الهداة الميامين..
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


نقف مع بعضِ عناوين..
(1) زيغ القلوب:

زيغ القلوب هو ميلهم من الحقّ إلى الباطل ومن الهدى إلى الضّلال، فقد يسلك الإنسان طريق الحقّ، وطريق الهدى، وإذا به يميل إلى طريق الباطل، وإلى طريق الضّلال، والإنسان معرّضٌ في أيّ لحظةٍ للزّيغ والانحراف والضّلال..
جاء في بعض الرّوايات الحثُّ على مداومة قراءة هذه الآية: «رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ». آل عمران: آية 8
لا يُفهم من هذه الآية أنّ الله سبحانه يُجبرنا على الزّيغ وعلى الهداية، معنى الآية أنّنا نسأله تعالى أن يبعد عنّا الظروف التي تقودنا إلى الزيغ والضّلال، وأن لا يعرّضنا إلى ابتلاءاتٍ وامتحاناتٍ قد نسقط من خلالها ولا نقوى على الثّبات في طريق الحقّ، وفي طريق الهدى، وخاصّة في زمن الفتن والشّبهات وانتشار الضّلالات..
• في حديثٍ عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قال:
«ستصيبكم شبهةٌ فتبقون بلا علم يُرَى، ولا إمام هدى، ولا ينجو منها إلّا من دعا بدعاء الغريق..
قال عبد الله بن سنان – راوي الحديث -: وكيف دعاء الغريق؟
قال الإمام الصّادق عليه السّلام: تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلِّب القلوبِ ثبِّت قلبي على دينك..
قال عبد الله بن سنان مردِّدًا: : يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلِّب القلوبِ والأبصار ثبِّت قلبي على دينك..
فقال له الإمام عليه السّلام: إنّ الله عزّ وجلّ مقلِّب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول: يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك…».
نفهم من هذا أنّه لا يصحّ التصرّف في الأدعية المأثورة الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أو أحد المعصومين، وكذلك ما ورد فيه عدد خاصّ كتسبيح الزّهراء عليها السلام الذي علّمه رسول الله صلّى الله عليه وآله ابنته الصدّيقة فاطمة الزّهراء عليها السّلام، هذا التسبيح العظيم الذي أكّدت عليه الأحاديث والرّوايات:
• قال الإمام الصّادق عليه السّلام:
«تسبيح فاطمة الزّهراء عليها السّلام في كلِّ يومٍ في دبر كلّ صلاةٍ أحبُّ إليَّ من صلاة ألف ركعةٍ في كلِّ يومٍ»
• وقال عليه السّلام لأبي هارون المكفوف:
«يا أبا هارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح الزّهراء (عليها السّلام) كما نأمرهم بالصّلاة، فالزمه فإنّه لم يلزمه عبدٌ فيشقى».
• وقال الإمام الباقر عليه السّلام:
«من سبّح تسبيح الزّهراء (عليها السّلام) ثم استغفر غفر له، وهي مائة باللسان، وألف في الميزان، وتطرد الشيطان، وتُرضي الرّحمن».
وأشهر الصيغ لهذا التسبيح:
أن تكبّر الله أربعًا وثلاثين مرّة.
وأن تحمد الله ثلاثًا وثلاثين مرّة.
وأن تسبح الله ثلاثًا وثلاثين مرّة.
فلا يصحّ أن تتصرّف في هذا التسبيح عددًا وترتيبًا..
وموضعه بعد الصّلاة، بعد أن يكبر ثلاثًا، وبعد أن يقول: «لا إله إلّا الله إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون… – الدعاء المعروف -».
نتابع الحديث – إنشاء الله تعالى – حول زيغ القلوب.


(2) دولة القانون والمؤسّسات:
 من السّهل أن تبرّر السلطةُ أيَّ قرارٍ رسمي بأنّه في صالحِ المواطنين، ومن أجل حماية أوضاعهم، وراحتهم، وأمنهم، واستقرارهم، ومن السّهلِ أيضًا أن تدافع أصواتٌ هنا أو هناك عن قرارات السلطة بذرائع ومبرّراتٍ عديدة، إلّا أنَّ إقناع المواطنين بذلك أمرًا ليس سهلًا، ما دام هناك إحساسٌ بالكثير من الإجحاف بحقوقهم، ومصالحهم، وحرّياتهم، لا يمكن أن يقتنع النّاس بكلماتٍ وخطاباتٍ ما دام الواقع يحمل شواهد وشواهد على خلاف ذلك..


إذا كان هناك إصرارٌ في الحديث عن دولة القانون والمؤسّسات، فنحن نثمّن ونبارك هذا الإصرار جاء من السلطة أو جاء من أيّ موقعٍ آخر، مَنْ مِن النّاس لا يتمنّى أن تحكمه دولةُ قانونٍ ودولةُ مؤسّساتٍ؟ الفوضى ليست خيارًا عاقلًا، والانفلات ليس خيارًا رشيدًا، وغياب القوانين والمؤسّسات هدمٌ للأوطان، وظلمٌ للشعوب…


إلّا أنّ المهمّ أن يقتنع النّاس بوجود دولة القانون ودولة المؤسّسات…
ودولة المؤسّسات تعني وجود سُلْطات تشريعيّة وقضائيّة وتنفيذيّة نزيهة وكاملة الصلاحيّات والمسؤوليّات..
حينما يكون هناك فسادٌ إداري ومالي…
حينما يكون هناك تمييزٌ، ومحاباة، ومحسوبيّات…
حينما يكون هناك سطو، وهيمنات، واحتكارات…
حينما تكون هناك سلطات ناقصة الصلاحيّات…
لا يمكن أن يقتنع النّاس بوجود دولة القانون والمؤسّسات..
صحيحٌ أنّ مسؤوليّة جميع المكوّنات في هذا الوطن أن يتعاونوا من أجل تأسيس دولة القانون والمؤسّسات، فغياب أيّ مكوّنٍ سوف يُربك أيّ نهوضٍ سياسي حقيقي، وسوف ينتج مشروعًا محكومًا لكثيرٍ من التناقضات والإخفاقات.


أمّا كيف يتشكّل التكامل في الأداء، وكيف تتلاحم المسؤوليّات؟
هناك حاجة إلى وجود «ثقة سياسيّة ووطنيّة»..


من المسؤول عن إنتاج هذه الثّقة؟
لا نشكّ أنّ جميع المكوّنات مسؤولة عن إنتاج هذه الثّقة، إلّا أنّ السلطة هي المسؤول الأول، فما لم تبادر السلطة إلى الدفع بهذا المشروع، فإنّ بقيّة المكوّنات لن تقوى أن تحرّك شيئًا في هذا الاتجاه، وحينما تبادر الدولة مبادرةً جادّة وصادقة، هنا يجب أن تتحمّل بقيّة المكوّنات مسؤوليّاتها من أجل إنجاح هذا المشروع.


وماذا يعني أن تبادر الدولة؟
لا يمكن أن تتحرّك (الثّقة السّياسية والوطنيّة) في ظلّ أجواءٍ أمنيّةٍ متوتّرة، ليس من خلال القبضات الأمنيّة تُخلقُ أجواء الثّقة، ولكن من خلال مزيدٍ من الانفتاح والتواصل، ومن خلال مزيدٍ من الشفافية، ومن خلال مزيدٍ من الإصلاحات الحقيقيّة.


(3) إجراءاتٌ بشأن مكبّرات الصّوت:
ما صدر أخيرًا من إجراءاتٍ بشأن مكبّرات الصوت أمرٌ يبعث على القلق الشديد، وربّما دفع إلى مزيدٍ من الاحتقان والتوتّر في هذا البلد، كونه يلامسُ شأنًا مذهبيًا له حساسيته الكبيرة، ولا يقلّل من هذه المخاوف تصريحات المسؤولين بأنّ هذه الإجراءات لا تستهدف طائفة معيّنة، وإنّما جاءت لحفظ المواطنين في السكينة العامّة، ولكي لا يتعرّضوا لأيّ إيذاءٍ أو إزعاجٍ، وخاصّة المرضى وكبار السّن في منازلهم..


وهنا لنا بعضُ ملاحظاتٍ:
الملاحظة الأولى:
إنّ هؤلاء المواطنين الذين يُدافع القانون المذكور عن حقّهم في السكينة والهدوء والرّاحة هم الذين يرفعون الآن أصواتهم غاضبةً ضدّ هذه الإجراءات التي يعتبرونها اعتداءً على حرّية شعائرهم الدينيّة..
إنّ موسم عاشوراء ليس خطابًا ينحجز في داخل الحسينيّات، إنّه حراكٌ يتّسع ليكون في الشوارع، في البيوت، في كلّ المواقع، بل حتى الشيوخ والمرضى والقواعد في المنازل يطالبون أن يشاركوا في أجواء هذا الموسم، فعن مَنْ يتحدّث صانعوا هذا القرار حينما يدافعون عن مواطنين وسكّان منازل؟
فهذه مدن وقرى البحرين قاطبة والتي تحتضن الحسينيّات والمجالس الحسينيّة تعيش غضبًا شديدًا ضدّ هذا القانون، فلا مبرّر للحديث عن الحفاظ على مصالح مواطنين من خلال إجراء يرى المواطنون أنفسهم أنّه ضارٌ بممارساتهم الدينيّة، وحرّياتهم المذهبيّة..


الملاحظة الثانية:
لا تقنعنا مبرّرات السلطة في نفي الاستهداف الطائفي، فهذه الإجراءات تأتي في سياق مجموعة إجراءاتٍ (ضوابط الخطاب الدّيني، اتّهام علماء دين وأموال دينيّة بتمويل الإرهاب، وحجز أرصدة صناديق خيريّة، وخطاباتٌ تشهيريّة وتحريضيّة، واستنفاراتٌ موجّهة…)… كلّ هذا يجعلنا نعيش إحساسًا «بالاستهداف الطائفي» رغم تصريحات النفي والتطمين المتكرّرة..
وحينما نتحدّثُ عن الاستهداف الطائفي، فنحن لا نمارس اصطفافًا طائفيًّا كما جاء في الرّد الرّسمي على بيان العلماء، نحن لا نواجه طائفة أخرى، نحن نواجه إجراءً رسميًّا يستهدف طائفة – حسب ما نفهمه – فما علاقة ها بالاصطفافات الطائفيّة والتي تعني التكتّل ضدّ طوائف أخرى، وهذا غير واردٍ إطلاقًا لدينا، فنحن مع كلّ مكوّنات الشعب في وءامٍ ومحبّة، رغم كلّ الخطابات التي تحاول أن تمارس تأجيجًا طائفيًّا، وشحنًا طائفيًّا، وتحريضًا طائفيًّا… إنّنا نرفض بقوةٍ هذا اللون من الخطابات..
فنحن لا نتحرّك من أجل استدعاء الاصطفاف الطائفي، هذا أمرٌ مقيتٌ ومرفوضٌ، ومضرٌ بلحمة ونسيج هذا الوطن، فخطيرٌ خطيرٌ جدًا على هذا البلد أن تحكمه الحسابات الطائفيّة،  والرّهانات الطائفيّة، والتمايزات الطائفيّة فيما هي حقوق المواطنة المشتركة…


الملاحظة الثالثة:
في مرحلةٍ تشهد أوضاعًا مأزومة، وأجواء قلقة، يأتي إجراءٌ من هذا النوع – حتى لو فرضناه بريئًا – ليدفع في اتّجاه مزيدٍ من التأزّم، والاحتقان والتوتّر…
إنّ إجراءً رسميًّا يحاول أن يلامسَ شأنًا حسّاسًا جدًا كما شأن الحسينيات والمراسيم العاشورائيّة من الطبيعي أن يجد تحفّظًا كبيرًا من قِبل الطائفة خاصّة في ظلّ حزمةٍ من الإجراءات تُقرأ بأنّها تشكّل استهدافًا…
 لا نريد للشّأن العاشورائي أن يكون وضعًا متمرّدًا على القانون والنظام، كما لا نريد لأيّ شأنٍ آخر من شؤوننا كذلك، إلّا أنّ الاقتحامات المُستهدِفة لهذا الشأن لا يمكن أن نرضى بها وإن كلّفنا ذلك غاليًا…
أقولها بكلّ حبٍّ، إذا كانت هناك قضايا في حاجةٍ إلى معالجةٍ دعونا نتفاهم، دعونا نتحاور فهي أسلم وأنفع لهذا الوطن، فليس كلّ القضايا تعالج بالإجراءات القسريّة وإن أخذت شكل قوانين أو قرارات..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى