حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 262: الأثر الثالث من آثار أكل الحرام – المواطنة الصالحة (2) – الاعتداء على حرمة النساء فضيحةٌ كبرى – الأحكام المؤبَّدة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة المعصومين…


الأثر الثالث من آثار أكل الحرام:
«وقلَّت عبادته».


قلَّة العبادة تتمثَّل في بعدين: الكمِّي والكيفي:
1- البعد الكمِّي:

فمن يأكل الحرام يصاب باسترخاء عبادي فيقتصر على الحد الأدنى من العبادة، ويكون محرومًا مِن أيّ عبادةٍ تطوعية، هناك عبادات مفروضة، كالفرائض اليومية، والصيام الواجب، والحج الواجب، وهناك عبادات مستحبة ويترتب عليها ثوابات عظيمة جدًا:


• عن الفضيل قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾. (المعارج/23)
قال: «هي النافلة»[1].


• عن أبي جعفر (ع) قال:
«إنّ الله جلَّ جلاله قال: ما يتقرَّب إليَّ عبدٌ من عبادي بشيئٍ أحبّ إليَّ ممَّا افترضت عليه، وإنَّه ليتقرَّب إليَّ بالنافلة حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته»[2].


• جاء في وصية النبي صلّى الله عليه وآله لعليٍّ عليه السَّلام:
«يا عليّ أوصيك في نفسك بخصالٍ فاحفظها عنِّي:
أمّا الأولى: فالصِّدق ولا تخرجنَّ من فيكَ كذبةٌ أبدًا.
والثانية: الورع ولا تجترئ على خيانةٍ أبدًا.
والثالثة: الخوف من الله عزّ ذكره كأنَّك تراه.
والرابعة: كثرة البكاء من خشية الله عزَّ وجل يبنى لك بكلِّ دمعةٍ ألف بيتٍ في الجنَّة.
والخامسة: بذلُكَ مالَكَ ودمَكَ دون دينك.
والسَّادسة: الأخذ بسنَّتي في صلاتي وصومي وصدقتي.
أمّا الصَّلاة: فالخمسون ركعة.


وأمّا الصِّيام: فثلاثة أيامٍ في الشهر: الخميس في أوَّله، والأربعاء في وسطه، والخميس في آخره.


وأمّا الصَّدقة: فجهدك حتّى يُقال: قد أسرفت ولم تسرف.
وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل، وعليك بصلاة الليل.
وعليك بصلاة الزوال، وعليك بصلاة الزوال، وعليك بصلاة الزوال.
وعليك بتلاوة القرآن على كلِّ حال.


وعليك بالسواك عند كلّ وضوء وكلّ صلاة..
وعليك بمحاسن الأخلاق فاركبها، ومساوئ الأخلاق فاجتنبها فإن لم تفعل فلا تلومنَّ إلّا نفسك»[3].


هذه التوفيقات الربَّانية يحرم منها آكل الحرام…
2- البعد الكيفي:
مَنْ يأكل الحرام تصاب عبادته بالجفاف الروحي، وانعدام الخشوع، ويكون محرومًا من الفيوضات الربَّانية.
• في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السّلام:
«كيف يجد لذَّة العبادة من لا يصوم عن الهوى»[4].
• وقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله:
«إذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كلّ ملكٍ في السماوات والأرض»[5].


المواطنة الصالحة:
كلَّما نشط الإنسان في عبادته (كمًّا وكيفًا) كانت العبادة حصنًا منيعًا قويًا يمنعه من أن يتحوَّل إنسانًا سيِّئًا، فاسدًا، طائشًا، عدوانيًا، ظالمًا، خائنًا…
فالتربية الروحية والعبادية والأخلاقية هي التي تحصِّن الشعوب، وهي تصنع الحبَّ الصادق للأوطان فالذين لا يخونون الله، لا يمكن أن يخونوا أوطانهم، وأمّا من يخون الله، فما أسهل أن يكون خائنًا لوطنه، ولأمَّته… فالتربية الوطنية الصالحة هي التي تعتمد معايير الدِّين والقيم في بناء الشعوب…


إنّ المناهج المعتمدة لدى الأنظمة الوضعية غير قادرةٍ على بناء (المواطنة الصالحة) مهما حملت هذه المناهج من (شعاراتٍ كبيرة)، ووُظِفْت لها كلّ وسائل التربية والإعلام، والثقافة، فلا غرابة أن نجد ضمن منتجات هذه المناهج والوسائل (خونة كبار لأوطانهم) وربّما كانوا من المُنظِّرين للوطنية، ومِن دعاتها.


المواطنة الصادقة لا يصنعها إلّا الدِّين وقيم الدِّين، فحبّ الأوطان من الإيمان كما في الحديث، وقال الإمام عليّ عليه السَّلام: «عمرت البلدان بحبِّ الأوطان»[6].


إلّا أنّ بعض الأوطان تتحوّل شرًّا لقُطّانها،
• قال عليٌّ عليه السَّلام:
«شرّ الأوطان ما لم يأمنْ في القُطَّان»[7].
• وقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله:
«لا خير في… ولا في الوطن إلّا مع الأمن والسرور»[8]. 
• وقال عليّ عليه السَّلام:
«لا خير في الوطن إلّا مع الأمن والمسرَّة»[9].
كما أنّ للمواطنة مسؤوليات لا يجوز التفريط فيها: حبّ الوطن، الإخلاص للوطن، الدفاع عن الوطن..
فإنّ للمواطنة حقوق لا يجوز سلبها أبدًا..


مِن هذه الحقوق:
(1) الحرية والكرامة:

إنسان لا يتنفّس الحرية، ولا يتذوّق الكرامة في وطنِهِ هو في سجنٍ كبير، لا يختلف عن أيِّ زَنزانةٍ مغلقةٍ لا هواء فيها ولا ضياء، الحريةُ هي الهواء، والكرامة هي الضِّياء، فما أسوأه مِن وطنٍ «ليس فيه رحمة، ولا تُسمع فيه دعوة، ولا تُفرّج فيه كربة» هذا ما يستوحى من كلامٍ لأمير المؤمنين عليه السَّلام…
كم هي الأوطان كبيرة وعزيزة، إلّا أنّ حريةَ الإنسان وكرامته أكبر وأعزّ…
وكم من أجل الأوطان تُبذل أرواح وأموالٌ ولكنّها من أجل الحرية والكرامة والمعتقد والدِّين أولى وأولى..


(2) الأمن والأمان:
وحينما نتحدّث عن الأمنِ والأمان فنتحدَّث عن:
– حماية دينٍ.
– وحماية نفسٍ.
– وحماية عرضٍ.
– وحماية مالٍ..
فالوطن الذي لا يحمي الدِّين والنَّفس والعرض والمال وطنٌ لا أمن فيه ولا أمان..
وهو وطنٌ لا خير فيه، وهو شرُّ الأوطان حسبما جاء على لسان النبيّ صلّى الله عليه وآله ولسان أمير المؤمنين عليه السَّلام..


(3) الشراكة السِّياسية:
من حقِّ المواطن أن تكون له شراكة سياسية حقيقيَّة في إدارة شؤون الوطن، فكثير من أنظمة الحكم الاستبدادية تُصادر  هذا الحق مصادرة كاملة، وقد تَمنح بعضُ الأنظمة للشعوب شراكةً سياسية مزوَّرةً، كما هو الأمر في البرلمانات الشكلية الصُّورية الفاقدة للصلاحيات التشريعيَّة والرقابية، والخاضعة لهيمنة الأنظمة الحاكمة، ليس هذه هي الشراكة السِّياسية التي تُطالب بها الشعوب، إنَّما هي الشراكة التي تعبِّر عن حضورٍ حقيقي في القرار السِّياسي من خلال دوائر عادلة، وانتخاباتٍ نزيهة، وبرلماناتٍ تمتلك كلَّ الصلاحيات، ودساتير صالحة، وحكومات تمثل إرادات الشعوب.. وسلطاتٍ قضائية مستقلة كلّ الاستقلال، وأجهزة رقابية نزيهة تحارب كلّ أشكال الفساد الإداري والمالي..


(4) وهناك حاجات ضرورية يجب أن تتوفّر لكلّ مواطن..
– فالسكنُ القادرُ على أن يؤويه ويؤوي عياله…
– ومصدرُ الرِّزق الذي يوفِّر حاجات العيش الكريم..
– وضروراتُ العلاج..
– وفُرَصُ التعلّم..
هذه حقوق مواطنة، وإلّا فالاغتراب خيرٌ من الوطن ففي كلماتٍ لعليّ عليه السَّلام:
• «الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة»[10].
• «ليس في الغربة عار، إنّما العار في الوطن الافتقار»[11].
• «العقل في الغربة قربة، الحمق في الوطن غربة»[12].
• «خير البلاد ما حملك»[13].


فأيّ قيمةٍ لوطنٍ لا يحمل همومَ أبنائِه، معيشتَهم، سكنَهم، تعليمَهم، علاجَهم، وكلّ حاجاتهم، وضروراتهم…
فكيف نطالب النّاس بالولاء لأوطانِهم، وقد صادرنا كلّ حقوقهم؟
ووفق حسابات الأرباح والخسائر، فإنّ مسارات الإصلاح السّياسي الحقيقي، هي المسارات الرابحة كلّ الربح، وإلّا فالخسائر محققّة، وربّما تكون الأنظمة الحاكمة ضحية الفساد السِّياسي.. فنهج الإصلاح الجادّ الحقيقي هو النهج الحكيم، وهو النهج الرابح لمن وعى دروس السِّياسة في الماضي والحاضر..


كلمتان:
الكلمة الأولى:

إنَّ ما حدث ويحدث من اعتداءٍ على حرمة النساء فضيحةٌ كبرى، مُدانةٌ دينيًّا وقانونيًّا وإنسانيًّا، فالأديان تحترم المرأة، والقيم الإنسانيّة تستنكر كلّ ما يطال المرأة من انتهاكاتٍ.


يحدث هذا في بلدٍ تزدحم فيه أسماءُ جمعياتٍ ومؤسّساتٍ نسائيّةٍ، تتباهى بالدفاع عن حقوق المرأة، وتزعم أنَّها ناشطة من أجل حماية كرامة المرأة ضدّ العنف، والامتهان والمصادرة، والتهميش…


لماذا صمتت هذه الجمعيات والمؤسّسات؟
لماذا لم تمارس أيّ استنكار لهذا الاعتداء على نساءٍ عفيفات، ذنبُهنَّ مارسن دورهنَّ في المطالبةِ بالحقوق المشروعة، وبأساليب تملك كلَّ السلمية.


ما حدث للنساء زاد من تأجيج الأوضاع، فالمساسُ بالأعراض خطٌّ أحمر لدى شعبٍ تشرَّبَ مبادئ الدِّين، وقيم العفَّةِ والشَّرف…


الكلمة الثانية:
ما صدر من تأكيد الأحكام المؤبَّدة، والسجن الطويل للعلماء والرموز السِّياسية والكوادر الطبيَّة وشخصيَّات أخرى، وحكم الإعدام بالنسبة لأحد الشباب، أمرٌ يبعث على الأسف الشديد، وله تداعياته الخطيرة، ممَّا يعقِّدُ أيَّ خطوةٍ في اتِّجاه الانفراج… وهذه الأحكام تؤشِّرُ إلى رغبةٍ في استمرار الأوضاع المأزومة، ممَّا يتنافى مع الكثير من التصريحات..


لن يعالجَ المأزقَ السِّياسي في هذا الوطن استمرارُ المزيدِ من الأحكامِ القاسيةِ، والمزيدِ من الفصلِ والتسريحاتِ، والمزيدِ من الملاحقاتِ، والمزيدِ من الاستنفارات الأمنيَّةِ، والمزيدِ من الاعتقالات…


أما آن الأوان أن تنتهي المناخاتُ التي تزرعُ الرُعبَ والخوفَ، والتي تُعطِّلُ أيَّ خيارٍ للخروجِ بهذا الوطنِ من أزماتِه الخانقة، وإشكالاته المعقّدة، ومآلاته المدمِّرة…


ما صدر من أحكامٍ لا يخدم الأمن والأمان والاستقرار بعيدًا عن محاسبة صدقيَّة الأحكام، فذلك متروكٌ لرجال القانون والمحاماة، فربّما لهم فيه رأي..


ما يهمّنا أنّنا ندفع في اتّجاه إنقاذ الوضع، وهذا في حاجة إلى مزيدٍ من الرفق والرحمة، وليس إلى مزيدٍ من العنف والقسوة، ومن المعيب كلّ العيب أن نجد في هذا الشعب مَنّ يرقص ويطرب فرحًا وابتهاجًا لصدور أحكام إعدامٍ، أو أحكام سجنٍ مؤبَّدٍ أو غير مؤبَّد، كم لهذه النشوة المغرورة من آثارٍ تقتل كلَّ أخوةٍ ومحبَّةٍ بين أبناء هذا الوطن، ولن يربح أحدٌ حينما ينفلت الطيش الطائفي المدمِّر، فرفقًا رفقًا بهذا الوطن وبهذا الشعب، فالمحبَّة هي الأغلى وهي الأبقى…







الهوامش:
[1] الكليني: الكافي 3/ 270، كتاب الصلاة، باب من حافظ على صلاته، ح12. (ط3، 1367ش، دار الكتب الإسلاميّة، طهران – إيران)
[2] الحر العاملي: الوسائل 4/ 72، كتاب الصلاة، ب 17، ح6. (ط2، 1414هـ، مؤسّسة آل البيت (ع)، قم – إيران)
[3] الكليني: الكافي 8/ 79، ح33.
[4] النوري: مستدرك الوسائل 12/ 115، أبواب جهاد النفس، ب81، ح13. (ط2، 1408هـ، مؤسّسة آل البيت (ع)، قم – إيران)
[5] المجلسي: البحار 63/ 314، أبواب آداب الأكل، ب2، 6. (ط3، 1403هـ ، دار إحياء التراث، قم – إيران)
[6] الريشهري: ميزان الحكمة 4/ 3566، حرف الواو، الوطن، حب الوطن. (ط1، دار الحديث، قم – إيران)
[7] الواسطي: عيون الحكم والمواعظ، ص 295. (ط1، دار الحديث، قم – إيران)
[8] الريشهري: ميزان الحكمة 4/ 3569، حرف الواو، الوطن، شر الأوطان.
[9] المصدر السابق 4/ 3568.
[10] نهج البلاغة: 4/ 14، باب المختار من حكم أمير المؤمنين (ع)، ح56. (ط1، 1412هـ، دار الذخائر، قم – إيران)
[11] الريشهري: ميزان الحكمة 4/ 3568، حرف الواو، الوطن، شر الأوطان.
[12] المصدر السابق.
[13] نهج البلاغة: 4/ 103، باب المختار من حكم أمير المؤمنين (ع)، ح442.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى