حديث الجمعةشهر صفر

حديث الجمعة 412: أهلُ البيتِ تَنوَعُ أدْوارٍ وَوَحْدَةُ هَدَفٍ – مسؤولياتُ الخِطابِ العاشورائي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهداة الميامين، فمع هذا العنوان:


أهلُ البيتِ تَنوَعُ أدْوارٍ وَوَحْدَةُ هَدَفٍ:
هذا عنوانٌ لكتابٍ ضمَّ مجموعةَ محاضراتٍ للشهيد السَّيد محمد باقر الصَّدر رضوان الله عليه، ألقاها في مناسباتٍ عديدةٍ وهي عبارة عن قراءاتٍ تاريخية تحليليةٍ لحياةِ الأئمَّةِ من أهل البيت عليهم السَّلام.
في هذه القراءاتِ اعتمد الشهيدُ السَّيد الصدر (المنهج الشمولي) وهو يتناول حياة الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) بدلًا من (المنهج التجزيئي).


ما الفارق بين المنهجين؟
• المنهج التجزيئي:
دراسة كلّ إمامٍ بصورة مستقلةٍ، من خلالها يتم التعرف على مساحة واسعةٍ من حياة الإمام، وهذه الدراسة تشكل ضرورة للاطلاع على تفاصيل حياةِ أيّ إمام من أئمَّة أهل البيت، كما أنَّ هذه الدراسة التفصيلية هي التي توفِّر المادة للدراسة الشمولية.


• المنهج الشمولي:
وهذا المنهج ينظر إلى الأئمَّةِ من أهلِ البيت (عليهم السَّلام) ككلٍ مترابطٍ، ويدرس هذا الكلّ ويكشف ملامحَهُ العامةِ، وأهدافَهُ المشتركةَ، ويتفهم الدُّورَ الذي مارسه الأئمَّة جميعًا في الحياة الإسلامية (الدور المشترك).


التنّوعُ في أدوارِ الأئمَّةِ (عليهم السَّلام):
من خلالِ قراءةِ تاريخ الأئمَّةِ (عليهم السَّلام) نجدُ تنوُّعًا في الأدوارِ، وتعدّدًا في الأساليب، فلكل إمام دورُه وأسلوبُه الذي يختلف عن الدور والأسلوب الذي مارسه الإمام الآخر


أوضِّح الفكرة من خلال التطبيقات التالية:
1– الإمام أمير المؤمنين (عليه السَّلام) مارس أسلوبين مختلفين:
الأول: أسلوب المسالمة في مرحلة من المراحل.
الثاني: أسلوب التصدِّي المُسلَّح في مرحلة أخرى (حرب الجمل/حرب صفين/حرب النهروان).


2- الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام)
مارس أسلوب (المصالحة والمسالمة) من خلال (وثيقة معاهدة) مع معاوية بن أبي سفيان، إلَّا أنَّ معاوية لم يفِ ببنود هذه المعاهدة.
ويأتي الحديث عن مبرِّرات هذا الصلح.


3- الإمام الحسين (عليه السَّلام) مارس أسلوب (الثورة والتصدِّي المسلَّح)، وحدثت معركة كربلاء الشهيرة، واستشهد الإمام الحسين وعددٌ من أهل بيتهِ وأصحابِهِ، وسُبيت نساؤُهُ وعيالُهُ…


4- الإمامٌ عليُّ بن الحسين السَّجاد (عليه السَّلام) مارس أسلوب (الدُّعاء) و(البناء الروحي والأخلاقي).


5- الإمامان الباقر والصَّادق (عليهما السَّلام) مارسا أسلوب (العلم والفقه والحديث).


6-وهكذا بقية الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام)، كلٌّ له دورُهُ الخاص، وأسلوبُهُ المحدَّد وقد أخطأ بعضُ الدارسين حينما اعتبروا هذا التعدُّدَ والتنوّعَ في أدوارِ الأئمَّةِ وأساليبهِم دليلًا على تعدّد (المشروع) لدى الأئمَّة، بمعنى أنَّه ليس لدى الأئمَّة من أهل البيت مشروعٌ واحد، بل مشروعات متعدِّدة.
-فبعضُهم تبنَّى (المشروع السِّلمي).
-وبعضُهم تبنَّى (المشروع الثَّوري).
-وبعضهُم تبنَّى (المشروع السِّياسي)
-وبعضهُم تبنَّى (المشروع الروحي)
-وبعضهُم تبنَّى (المشروع العلمي والثقافي)
-وبعضهُم تبنَّى (المشروع الاجتماعي)
وهكذا تعدَّد (المشروع)
عند الأئمة من أهل البيت (عليهم السَّلام).
هذا الفهم خاطئ ومغلوط، الأئمَّة (عليهم السَّلام) لديهِم (مشروعٌ واحد).
نعم من أجل إنجاز هذا المشروعِ الواحدِ تعدَّدتْ الأساليب وتنوَّعتْ الأدوار.


وهنا سؤالٌ يُطرح:
• لماذا هذا التَّعدّدُ والتنوُّعُ في أساليبِ وأدوارِ الأئمَّةِ من أهلِ البيتِ (عليهم السَّلام)؟

برزتْ لدى الدارسين مجموعة تفسيراتٌ خاطئة، من هذه التفسيراتِ الخاطئة:


(التفسير الأول):
هذا التعدُّدُ والتنوعُ في الأساليب والأدوار نشأ نتيجة (الاختلافِ في القناعةِ والرؤيةِ والاجتهاد).
هذا التفسير مرفوض قطعًا:
أوَّلًا: الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) لا ينطلقون من (رؤى اجتهادية) وإنَّما حملة لأحاديث النبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)، وهم خُزَّانُ علمِهِ ورؤيتهم (رؤية معصومة).


• قال أمير المؤمنين (عليه السَّلام):
«كنتُ إذا سألتُ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أجابني، وإنْ فنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلتْ عليه آية في ليلٍ ولا نهارٍ، ولا سماءٍ ولا أرض، ولا دنيا ولا آخرة، ولا جنَّةٍ ولا نار، ولا سهلٍ ولا جبل، ولا ضياء ولا ظلمة إلَّا أقرأنيها وأملاها عليَّ، وكتبتُها بيدي، وعلَّمني تأويلَها وتفسيرَها، ومحكمَهَا ومتشابَهَها، وخاصَّها وعامَّها، وكيف نزلت، وأين نزلت، وفيمن نزلتْ إلى يوم القيامة، ودعا الله لي أنْ يعطيني فهمًا وخفظًا فما نسيتُ آيةً من كتاب الله».


• وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام):
«حديثي حديثُ أبي، وحديثُ أبي حديثُ جدِّي، وحديثُ جدِّي حديثُ الحسين، وحديثُ الحسين حديثُ الحسنِ، وحديثُ الحسنِ حديثُ أمير المؤمنين، وحديثُ أميرِ المؤمنين حديثُ رسول (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ)، وحديثُ رسولِ الله (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ) قولُ اللهِ عزَّوجل».


• وفي حديث آخر للإمام الصَّادق (عليه السَّلام) قال:
«إنَّا لو كنَّا نفتي النَّاسَ برأيِنا وهَوَانا لكنَّا مِن الهالكين، ولكنَّها آثارٌ مِن رسولِ اللهِ (صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ)، أصلُ عِلْمٍ نتوارثُها كابر عن كابر، نكنزها كما يكنز النَّاسُ ذهبَهم وفضَّتهم».
فالأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) لا يعتمدون (الرأي والاجتهاد) فيما يصدر عنهم من أحكام، وفيما يمارسون من مواقف وأدوار.


ثانيًا: هذا التفسير الأول لتعدِّد أساليب الأئمة (عليهم السَّلام) لم يقرأ الأئمَّة من أهل البيت قراءة شمولية تحليلية، وإنَّما قرأهم قراءة تجزيئية، فإنَّ القراءة الشمولية التحليلية قادرة أنْ تكتشف أنَّهناك مشروعًا واحدًا لدى الأئمَّة (عليهم السَّلام)، وإنْ تعدَّدت الأساليب، وتنوَّعت الأدوار لأسبابٍ يأتي الحديث عنها إنْ شاء الله.


نتابع الحديث حول التفسيرات الخاطئة إنْ شاء الله تعالى.


مسؤولياتُ الخِطابِ العاشورائي:
تتمثَّل هذه المسؤوليات فيما يلي:
(المسؤولية الأولى) المسؤولية الفكرية والثقافية:
وتعني هذه المسؤولية:


1- عرض قضية كربلاء في منظلقاتِها وأهدافِها وفي أحداثها، وفي كل نتائجها ومعطياتها.


2-التعريف بمفاهيم الإسلام، فثورة عاشوراء إنَّما انطلقت من أجل الدفاع عن الإسلام وقيمه وأهدافه.


3- معالجة قضايا التاريخ معالجة علمية نزيهة، بعيدة عن التعصب والانفعال وإثارة الفتن والصراعات.


هنا إشكالية تُطرح تقول:
إنَّ إصرار الخطاب العاشورائي على استدعاء بعض قضايا التاريخ يُعيد إلى ذاكرة الأجيال (خلافات وصراعات التاريخ)، كما أنَّ هذا الاستدعاء التاريخي يسيئ إلى رموز تحمل قداسة لدى المسلمين.


في الجواب على هذه الإشكالية نقول:


أوَّلًا:  من الضروري معالجة قضايا التاريخ، فتأريخ الأمَّة هو يصنع (صيرورة حاضِرها ومستقبلها).
ولذلك نجد القرآن يُدوِّن تاريخ الأمم السَّابقة بكلِّ تفاصيله، لأنَّ هذا يؤسِّس لبناء حركة الأجيال.


ثانيًا: المعالجات التاريخية لها صورتان:


الصورة الأولى:
معالجات تعتمد التعصب الأعمى، وتعتمد لغة السَّب والشتم، وتُحشِّد لإنتاجِ الكراهيةِ، والفتنِ المذهبية، والصِّراعاتِ الطائفية، وتكرِّس الخلافات والعداوات بين المسلمين، وتدفع في اتجاه التطرُّف بكلِّ تداعياتِه الخطيرة المتمثلة في العنف والإرهاب…
خطاب يمارسُ كلَّ هذه الصِّناعة الموبوءة والمدمِّرة، والفتَّاكة هو خطاب مرفوض كلّ الرفض ومدانٌ كلّ الإدانة، ويتناقض مع أهدافِ الإسلام وأهدافِ عاشوراء الحسين.


الصورة الثانية:
معالجات تاريخية تعتمد المنهج العلمي، والأسلوبَ المعتدل، والقراءة الموضوعية، واللغة النظيفة، والطرح المنصف…
هذه المعالجات لا تحرِّض على الكراهية، والخلاف المذهبي والطائفي، ولا تؤسِّس للعداوات والصراعات والتأزُّمات.


ثالثًا:أمَّا الإساءة إلى الرموز التاريخية التي تحمل قداسة لدى المسلمين، فأمر مرفوض، ويضر قطعًا بوحدة الأمَّة وتآلفها، ويدفع في اتجاه التشتُّتِ والخلافِ والصراعِ والاقتتال، ويؤسِّس للفتنِ العمياء التي تؤزِّم أوضاع المسلمين، وتنشر بينهم التطرُّف بكلِّ أشكالِهِ المدمِّرة.


غير أنَّ الأشخاصَ الَّذينَ صنَعُوا فاجعةَ عاشوراء، ومذبحةَ كربلاء، وقتلوا الحسينَ (عليه السَّلام) سبطَ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بالطريقة النكراءالشنعاء التي أثبتها التاريخ وذبحُوا حتَّى أطفالهُ الرُّضَع، ومارسُوا أبشع الجرائم الذي يندى لها جبين الدهر، واضرموا النيران في أخبية النبوة، وامتدت أيديهِم الحاقدة تنهب وتسلب، وتلاحق النساء والأطفال بالسِّياط، وحملوا نساءَ الرسالة سبايا…


هذا الطراز من الأشخاص هم وصمةُ عارٍ في تاريخ المسلمين، ولا يمكن لإنسانٍ شريف أنْ يحمل لهم ذرة تقديسٍ أو احترامٍ، فضلًا أن يعتبرهم رموزًا شاخصةً…


مَنْ يملكُ شيئًا من دينٍ أو ضميرٍ لا يعتبر (يزيد بن معاوية) من رموز الإسلام والمسلمين…


ومَنْ يَملكُ شيئًا من دينٍ أو ضميرٍ لا يعتبر (عبيدالله بن زياد)من رموزِ الإسلامِ والمسلمين…


ولا يعتبر (عمر بن سعد) و(شمرًا) و(حرملة) وغيرَهُم مِن صُنَّاعِ الجريمةِ والإرهاب من رموز الإسلام والمسلمين…


فيجب أنْ لا تأخذنا الغيرة على هكذا قَتَلةٍ وجُنَاةٍ محترفين…


وهل أنَّ مدرسة التطرف والإرهاب في عصرنا الحاضرِ إلَّا امتداد لتلك المدرسة…


فها هو العالمُ في اللحظةِ الراهِنة يعيش (رُعبَ الإرهابِ) في كلِّ مكان، وفي كلِّ أوان.


هكذا يعبث الإرهابُ بكلِّ ما في الحياةِ من خيرٍ وجمالٍ، وأمنٍ وأمان…
وهكذا لا يستثني الإرهابُ بلدًا أو وطنًا أو شعبًا…
ولا يستثني دينًا، أو طائفةً أو مذهبًا أو انتماءً أو عرقًا…
ولا يستثني بَشَرًا أو حجرًا، ولا زرعًا أو ضرعًا، ولا أرضًا أو سماءً أو برًا أو بحرًا…


لا يكفي أنْ يستنفرَ الإعلامُ في محاربةِ الإرهاب،
ولا يكفي أنْ تنشط بيانات الشجبِ والاستنكار،
ولا يكفي أنْ تُعقدَ المؤتمراتُ والملتقياتُ والاجتماعات،
ولا يكفي أنْ تتشكَّلَ التحالفاتُ والتآلفاتُ…


ما دام هناك تغذية للإرهابِ من خلالِ مناهج، وبرامج، وإعلامٍ وأقلامٍ، وسياسات أنظمةٍ، وتمويل كيانات حاكمة (صرح الرئيس الروسي بوتين بأنَّ تمويل الإرهاب يأتي من أربعين دولة)، فالإرهابُ يملك حواضنَ كثيرة ومتعدِّدة ومتنوعةً، حواضنَ دينيةً، وثقافيةً، وسياسيةً، واجتماعيةً، واقتصادية، فما لم تجفف وتردم هذه الحواضن فسوف يبقى الإرهاب مصدر رعب لكلِّ العالم، أنظمةً وشعوبًا…


مطلوبٌ أن يُواجَه الفكرُ الذي يُفرِّخ الإرهابَ،
ومطلوبٌ أن تُواجَه المناهجُ التي تغذِّي الإرهابَ،
ومطلوبٌ أن يُواجَه الإعلامُ الَّذي يُنشِّط الإرهابَ،
ومطلوبٌ أن يُواجَه المالُ الَّذي يُقوِّي الإرهاب،
ومطلوبٌ أن يُواجَه كلُّ أشكالِ العبث والظُلمِ والفساد والتمييز التي تُبرِّر لحركاتِ التطرُّفِ والعنفِ والإرهاب، هذه الحركاتُ التي تقمَّصتْ الدِّينَ والجهاد ظُلمًا وزُورًا وكِذْبًا وبُهتانا، وأوجدت موجاتٍ من الغضب ضدَّ الدِّين والمتديِّنين، وشوَّهت سمعة الإسلامَ والمسلمين، ووفَّرت مادةً دسمةً للإعلامِ المضادِّ أن يُحرِّكَ وسائلهُ وأدواتِهِ ضدَّ إسلامنا وشعوبنا…
هذه الشعوبُ التي هي الأكثر اكتواءً بنيران الإرهاب…


انتفض ضميرُ العالم لأحداث باريس، ولا نستكثر على ضميرِ العالم أنْ ينتفض لأحداث فاجعةٍ مؤلمة حصدت هذا الكم الكبير من الأرواح وهذا الكم الكبير من الجرحى…


إلَّا أنَّ هذا الضمير لم ينتفض بنفس الحجم لما حدث في ضاحية بيروت…
ولم ينتفض بنفس الحجم لما يحدث في العراق حيث يحصد الإرهاب آلاف الأرواح…


ولم ينتفض بنفس الحجم لما يحدث في سوريا، وفي بقاع عربية وإسلامية…
المهم يجب أنْ يتوحَّد العالم في مواجهة الإرهاب، ويجب أن تتوحَّد كلُّ القوى في هذا البلد أو ذاك في التصدِّي للإرهاب الذي بات يهدِّد كلَّ الحياة، وكلَّ الأمن وكلَّ البشر…


وآخر دعوانا أنْ الحمد للهِ ربّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى