حديث الجمعةشهر صفر

حديث الجمعة 447

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهداةِ الميامين.

السِّياسة في منظورِ الإمامِ الحسنِ المجتبى (عليه السَّلام)
في كلمةٍ للإمامِ الحسنِ المجتبى (عليه السَّلام) حَدَّدتْ (السِّياسةَ) تحديدًا في غايةِ الدِّقَّةِ والعُمقِ والشُّمولِ، والامتدادِ فيما هو الزَّمانُ والمكانُ، فما كانَ هذا التَّحديدُ لينحجز في مساحةٍ زمانيَّةٍ، أو مكانيَّةٍ، بلْ تتَّسعُ دَلَالاتُهُ؛ لتعالج (مفهومَ السِّياسة) في كلِّ امتداداتِه وحتَّى عصرنا الحاضر.
تناولت كلمةُ الإمامِ الحسنِ (عليه السَّلام) في تعريفِ السِّياسةِ مجموعةَ مجالات، أذكر منها هذين المجالين:
المجال الأوَّل: رعايةُ حقوقِ الله تعالى
قال (عليه السَّلام) في تعريفِ السِّياسة: “هي أنْ ترعى حقوق الله، …” (الروائع المختارة من خطب الإمام الحسن (عليه السَّلام)، الصَّفحة 118، السَّيد مصطفى الموسوي).
وفي تحديد هذه الحقوقِ الخاصَّةِ بالله تعالى، قال (عليه السَّلام): “فأمَّا حقوقُ اللهِ، فأداءُ ما طَلَبَ، والاجتنابُ عمَّا نهى” (المصدر نفسه).
فالسِّياسةُ الحقَّةُ هي التي تضع الإنسانَ في خطِّ الطَّاعةِ للهِ تعالى، وفي خطِّ الالتزام، والاستقامةِ، والانضباط.
يقابلُها السِّياسةُ الباطلةُ الزَّائفةُ، وهي الَّتي تضع الإنسانَ في خطِّ التَّمرُّدِ على اللهِ تعالى، وفي خطِّ الانحرافِ عن شرع الله سبحانه، وهي الَّتي تؤسِّسُ للفسادِ، والعبثِ، والانحراف.
إنَّ من صميمِ مهمَّةِ السِّياسةِ الحقَّةِ حماية حقوق الله تعالى من خلالِ حمايةِ أحكامِ شريعتهِ، وتعاليمِ دينهِ، وحمايةِ القِيمِ الَّتي أمَرَ بها، والأخلاقِ التي دعا لها.
وحينما تنحرفُ السِّياسةُ عن نهج الله تعالى، وحينما تنشر السِّياسةُ الفسادَ في الأرض، وحينما تتبنَّى السِّياسةُ تدميرَ الأخلاقِ، فتلك هي السِّياسةُ الزَّائفةُ، والزَّائغة، والسَّيِّئةُ.
وتلك هي السِّياسةُ المرفوضةُ في منظور الدِّينِ، والحقِّ، والعدلِ، والقِيم، والمبادئ الخيِّرة.
وكأنِّي بأولئك المتحسِّسين من مصطلحاتِ الدِّين يرون فيما تقدَّم مِن كلامٍ إقحامًا للدِّينِ في السِّياسة!
لا أدري، حينما نُطالبُ السِّياسةَ أنْ تحترم مقدَّسات الدِّين، وحينما نُطالبُ السِّياسةَ أنْ لا تصادرَ شرعَ اللهِ تعالى، وحينما نُطالبُ السِّياسةَ أنْ تحافظ على قِيم الحقِّ، والعدل، والإنصافِ، والمساواة،
وحينما نُطالبُ السِّياسةَ أنْ تكونَ نظيفة من كلِّ التَّلوُّثاتِ، والانحرافات، والمفاسد، هل هذا هو إقحام الدِّين في السِّياسة المرفوض عند هؤلاء؟!
إذا كان الأمرُ هو هذا، فنحن نَصُرُّ على إقحامِ الدِّين في السّياسة.
ولا نظنُّ أنَّ أحدًا يحترمُ دينَهُ، ومبادئَهُ، وقِيمَهُ، ومُثَلَهُ، وأخلاقَهُ لا يَصُرُّ على ذلك.
ولا نظَنُّ أنَّ غيورًا على وطنِهِ، وشَعْبِهِ، وحاضرِهِ، ومُسْتقَبلِهِ لا يُصِرُّ على ذلك.
هذا الكلام ليس (هَرْطَقةَ ثيوقراطيِّين).
وليس (أوهامَ ظُلاميِّين).
وليس (خَبَالاتِ إسلامويِّين).
وليس (أحلامَ ملالي، وكهنَةِ دين)، وغيرَها من (المُسمَّياتِ) التي يُطْلُقُها أُولئك المُفْرِطُونَ في حساسياتِهم تجاهَ الدِّينِ، ومصطلحاتِهِ.
فكلَّما تحدَّثنا عن الدِّين وضرورة أنْ يكون حاضرًا في كلِّ الواقع الثَّقافيِّ، والعباديِّ، والرُّوحيِّ، والأخلاقيِّ، والاجتماعيِّ، والاقتصاديِّ، والسِّياسيِّ، وضرورة أنْ يكون الدِّينُ هَمًّا للشُّعوب، وللأنظمة الحاكمة، ولجميع المكوِّنات.
قالوا: لماذا هذا الإصرارُ على إقحام الدِّينِ في الشَّأنِ السِّياسيِّ؟
وكأنَّ الدِّينَ أصبح (هاجسًا مُرعبًا)، و(همًّا ثقيلًا)، و(عنوانًا بغيضًا).
وأكَّدنَا، وأكَّدنَا، ولا زلنا نُؤكِّد: إنَّنا لا ندعو إلى هيمنة (علماءِ الدِّين)، أو مَنْ تسمُّونهم (رجالَ الدِّين) على السِّياسةِ، ومفاصلِ السِّياسةِ، ولا ندعو إلى (أدلجة) أنظمة الحكم وفق (رؤى فقهيَّة مذهبيَّة).
وإنَّما ندعو أنْ يكون للدِّينِ (في مُسلَّماته، وضروراتِهِ، وثوابتِهِ) قيمتُه المركزيَّةُ في منظورِ السَّاسةِ والقادةِ، وأنْ يكون له حضورُهُ وقُدْسيَّتُهُ، ومرجعيَّتُهُ في أوطان المسلمين، وأنْ يكون لرجالِ الفقهِ والشَّريعةِ كلمتُهم ودورُهم في الهداية، والإرشادِ، والتَّصحيح، وحماية الأوطان في مواجهة الفتن والخلافات والصِّراعات، وفي التَّصدِّي لكلِّ ما يؤزِّم الشُّعوب، ولكلِّ ما يقلق أمنهم، ويصادر حقوقهم، فيما هي الحقوق المشروعة والثَّابتة.
أخلص إلى القول: إنَّ أولى مهام السِّياسة في منظور الإمام الحسن المجتبى (عليه السَّلام) هي: (رعاية حقوق الله)، هذه الحقوق المتمثِّلة في (حماية وممارسة الطَّاعات التي أمر الله تعالى بها)، وفي (مواجهة وترك المحرَّمات التي نهى الله تعالى عنها).
فالسِّياسة في مضمونها الأصيلِ، وفي أهدافِها النَّظيفةِ ترتبطُ كلَّ الارتباطِ بقِيم الدِّينِ، وثوابتِهِ، وأحكامِهِ، وتعاليمِهِ، فعمق السِّياسة الخيِّرة، وروحُ السِّياسةِ الفاضلةِ (الطَّاعة لله تعالى والانقياد لأوامره)، ومتى زاغت السِّياسةُ عن ذلك، فهي سياسةٌ فاسدةٌ، وسياسةٌ سيِّئةٌ.
المجال الثَّاني: رعاية حقوق الأحياء
من مجالاتِ السِّياسةِ – حسب ما جاء في كلمة الإمام الحسنِ المجتبى (عليه السَّلام) هنا – تحدَّث الإمام (عليه السَّلام) عن (رعاية حقوق الأحياء)، وأكَّد (عليه السَّلام) على ثلاث مساحات من الحقوق:
•حقوق الأفراد.
•حقوق الأمَّة.
•حقوق الحاكم.

المساحة الأولى: حقوق الأفراد
جاء في كلمته (عليه السَّلام): “أنْ تقوم بواجبك تجاه إخوانِكَ”.( ) (المصدر نفسه).
السِّياسة الحقَّة – في منظور الإمام المجتبى (عليه السَّلام) – هي التي تكرِّس بين النَّاسِ روح المحبَّةِ، والتَّسامحِ، والأُخوَّةِ، والتَّعاونِ، والإيثارِ، والعطاءِ، وروح التَّضحية؛ من أجل الإخوانِ في الدِّين، وفي الوطن، وفي الإنسانيّة.

فمتى ما وجدنا شعبًا متآلفًا، متحابًّا، متسامحًا، متآخيًا، متعاونًا، متآثرًا، مِعْطاءً، متفانيًا فيما بين مكوِّناتِه، وطوائفِهِ، ومذاهبِهِ، فهذا شعبٌ تقودُهُ سياسةٌ رشيدةٌ، حكيمةٌ، صالحةٌ، نظيفةٌ، عادلةٌ، مُنصِفةٌ.
ومتى ما وجدنا شعبًا متخالفًا، متخاصِمًا، متنازعًا، متعاديًا، متحاربًا، متقاطعًا، مُتعصِّبًا، أنانيًّا، غير مِعطاءٍ، وغير مُؤْثِرٍ، وغير متفانٍ فيما بين مكوِّناتِهِ، وطوائفِهِ، ومذاهبِهِ، فهذا شعب تحكمُهُ سياسةٌ متخبِّطةٌ، سيِّئةٌ، فاسدةٌ، ظالمةٌ، مُؤزِّمة.
المساحة الثَّانية: حقوق الأمَّة
“ولا تتأخَّر عن خدمةِ أمَّتِكَ” (المصدر نفسه).
وهنا يرتقي الإمام الحسنُ (عليه السَّلام) بمسؤوليَّة الإنسان المسلم؛ ليضع كلَّ إمكاناتِهِ، وقُدُراتِهِ الفكريَّةِ، والثَّقافيَّةِ، والنَّفسيَّةِ، والعمليَّةِ في خدمةِ أمَّتِه، في كلِّ وجودِهَا، وفي كلِّ أهدافِها، وفي كلِّ مكوِّناتِهَا.
إنَّ مسؤوليَّة الإنسان المسلم لا تتمركز في المساحات الفرديَّة فحسب، وإنَّما تتَّسع؛ ليتحمَّل هذا الإنسان هَمَّ الأمَّة بكاملها، وهَمَّ الوطن بكامِلِه، فيما هي قضايا الأمَّةِ الكبرى، وفيما هي قضايا الوطن الكبرى، قضايا الأمنِ، والسَّلام، والوحدة، والازدهار، والتَّقدُّم العلميِّ، والحضاريِّ، ومواجهة كلِّ التَّحدِّياتِ، والمؤامراتِ، ومحاولاتِ الاختراقِ، والهيمنةِ على المقدَّرات، والثَّروات، والدِّفاعُ عن العزَّة، والكرامةِ، والشَّرفِ، والإباء، وبناءُ الإرادةِ، والقوَّة، والاستعداد.
المساحةُ الثَّالثة: حقوقُ الحاكم
وعن هذه المساحة جاء في كلمة الإمام الحسن (عليه السَّلام) هذا المقطع: “وأنْ تُخْلِصَ لولي الأمرِ ما أخْلصَ لأمَّتِهِ، وأنْ ترفَعَ عقيرتَكَ في وجهِهِ إذا حاد عن الطَّريق السَّويِّ” (المصدر نفسه).
وإذا فتَّشنَا أرقى الأنظمة الدُّستوريَّة في عصرنا الحاضر، فلن نجدَها تتجاوزُ هذه المكوِّنات في العلاقة بين الأنظمة والشُّعوب (بين الحاكم والمحكوم).
هذا المقطع من كلمة الإمام الحسنِ (عليه السَّلام) حدَّد الصِّيغةَ للعلاقةِ بين الحاكم والمحكوم، وبمقدار ما تكون هذه العلاقة مؤسَّسةَ على مرتكزاتٍ صحيحةٍ، وأسسٍ سليمةٍ، وقائمةً على حبٍّ، وصدقٍ، وإخلاص تتشكَّل دعاماتُ النَّجاح للمشروع السِّياسيِّ، ومحدَّداتُ الاستقرار في الأوطان والبلدان.

نقرأ في هذا النَّصِّ الصَّادر عن الإمام (عليه السَّلام) ثلاثة مُحدِّداتٍ مهمَّةٍ جدًّا في الفقه السِّيِّاسيِّ، هذه المحدِّداتُ هي:
المُحدِّد الأوَّل: إخلاص الحاكم لأمَّتِهِ [يعني لشعبه]
وإخلاصُ الحاكمِ لشعبِهِ عنوانٌ يتَّسِعُ لكلِّ مكوِّناتِ النَّجاحِ في هيكليَّة وبُنية الدَّولةِ الحاكمة، وكلَّما ارتقى مستوى هذا الإخلاص ارتقى مستوى النَّجاح في هذه البُنيةِ، والهيكليَّة.
المحدِّد الثَّاني: إخلاصُ الأمَّة [الشَّعب] للحاكم
فمن الطَّبيعي جدًّا أنَّ حاكمًا مُخلصًا لشعبِهِ يجب أنْ يحظى بإخلاصِ الشَّعب له، فمطلوب من هذا الشَّعب أنْ يُبْدِلَ الحاكم إخلاصًا بإخلاصٍ، وهذا ما عناهُ الإمامُ الحسنُ المجتبى (عليه السَّلام) حينما قال: “وأنْ تُخلِصَ لولي الأمرِ ما أخلص لأمَّتِهِ” (المصدر نفسه).
فحاكم يعيش هموم شعبِهِ، وآلام شعبه، ويعمل كلَّما في وسعِهِ لخدمةِ أبناء وطنه، والتَّوفُّر لهم على كلِّ الحقوق والحاجاتِ، كما ويدافع عن كرامتهم، وعزَّتهم، وحرِّيتهم، وسعادتهم، وأمنِهم وأمانِهم.

هذا الحاكم يستحقُّ من شعبِه كلَّ الولاء، والإخلاص، والثَّناء، والتَّقدير، والطَّاعة، والانقياد.
المحدِّد الثَّالث: مسؤوليَّة الأمَّة [الشَّعب] في المناصحة للحاكم
حينما يُفرِّط في مسؤوليَّاتِهِ تجاهَ شعبِهِ، وحينما ينخفض لديه مستوى الإخلاص، والتَّفاني، والأريحيَّة، والانفتاح، والإصغاء إلى آهاتِ النَّاس، وعناءاتهم، وهمومهم.
والمناصحةُ لها لغتُها، وأدواتُها، وأساليبُها بما تحمله من رُشد، وحكمةٍ، وبصيرة، وتهذيب، ونظافةٍ، وصدقٍ، وجرأة ، وعزيمةٍ، وثباتٍ.

فإذا كانت الكلمةُ النَّاصحةُ مطلوبةً جدًّا، ولا يجوز أنْ تصمت، حينما يكون الصَّمتُ مُضِرًّا بأوضاعِ الأوطانِ، فإنَّ الأنظمة الحاكمةَ مُطالبةٌ أنْ لا تضيق بهذه الكلمة ما دامتْ صادقةً، ومخلصة، ورشيدةً، وأنْ تصغي إليها، ففي ذلك صلاحُ الأوطانِ وخيرُها.
قالوا حول قانون الأسرة

(1) قالوا: إنَّ قانونَ الأسرةِ انتصارٌ للمرأةِ، واستعادةٌ لاعتبارِها المسلوب، وحقوقِها المهدورة.
ولنا تعقيبٌ في نُقاطٍ:
أوَّلًا: إنَّنا انطلاقًا من شريعة اللهِ سبحانه نرفض أيَّ شكلٍ من أشكال الظُّلم للمرأة، ونحرِّم أيَّ شكلٍ من أشكالِ الاعتداءِ على كرامتها، وحقوقها من أيِّ جهةٍ جاء هذا الظُّلمُ، أو هذا الاعتداء.
كما أنَّنا – وانطلاقًا من المسؤوليَّةِ الشَّرعيَّة – مطالبون أشدَّ المطالبة بالدِّفاع عن كرامةِ المرأة، وعن حقوقها المشروعةِ.

ولا يوجدُ في الدُّنيا (قانونٌ) وفَّر للمرأة كرامتها، وعزَّتَها، وقِيمتَها، وحُقوقَها، كما هو (شرع الله)، لا (اتِّفاقية سِيْداو)، ولا كلَّ (أنظمة وقوانين الأسرة) وإنْ تبنَّتها، ودافعت عنها كلُّ منظَّمات العالم.
فإذا كانت وثيقة مسقط الخاصَّة بشؤون الأسرة، تشتمل على (279) مادَّة.
فإنَّ رسائلنا الفقهيَّة تشتمل على (900) مسألة تخصُّ أحكام الأسرة.
كما لا نظنُّ إطلاقًا أنَّ مستوى (الغَيْرة) على المرأة، وعلى حُقوقها لدى (مؤسَّسات الدِّفاع عن المرأة) هي أقوى، وأصدقُ، وأحرصُ، وأوعى منها عند (فقهاء الشَّرع)، و(علماء الدِّين).
إنَّنا نثمِّن كلَّ الجهودِ الصَّادقة، والمخلصة في الدِّفاع عن قضايا المرأة.
إذا كانت هذه الجهود لا تتجاوز (شرع الله)، لأنَّنا لا نرضى بأيِّ بديلٍ عن هذا (الشَّرع) مهما تعنون بأرقى العناوين، وتمترس بأحدث الشِّعاراتِ.

ثانيًا: إنَّ وراء ظُلمِ المرأة – إنْ وجد في هذا البلد، أو ذاك من بلدان المسلمين – مجموعة عوامل يجب أنْ توضع في الحُسبان، ولا يمكن معالجة أوضاع المرأة إلَّا من خلال مقاربة هذه العوامل، وهنا أضع بعض أهمِّ هذه العوامل:
العامل الأوَّل: غيابُ الوعي الدِّينيِّ
ممَّا جعل الأُسرَ تنزلق في الكثير من المفارقات الشَّرعيَّة، فأكثر الأزواج والزَّوجات لا يملكون رؤية فقهيَّة، فيما هي الحقوق والواجبات الأسريَّة، فحدثت التَّجاوزات والمخالفات، وربَّما كان نصيبُ المرأة أكبر فيما أصابها من الحَيف والظُّلم، ولا يعني هذا أنَّ الرَّجلَ هو الظَّالم دائمًا، فربَّما كان مظلومًا، هكذا الجهلُ بأحكام الله تعالى، وتفشِّي الرُّؤى الخاطئة أنتج أوضاعًا أسريَّة متخلِّفة، أنتجت ظلمًا هنا، أو ظلمًا هناك.
العامل الثَّاني: غياب الالتزام الدِّينيِّ
قد لا يكون الجهلُ هو عامل الظُّلم والاعتداء على الحقوق والواجبات الأسريَّة، وإنَّما العامل هو غياب الالتزام الشَّرعيِّ، فأحيانا يكون الزَّوج متمرِّدًا على أحكام الشَّرع، فيصيب المرأة ما يصيبها من الظُّلم، والجور، والعنف، والاعتداء على حقوقها، وربما يكون العكس، فتكون المرأة هي المتمرِّدة على أحكام الشَّرع، فيصيب الرَّجلُ ما يصيبُه.
ومن أجل التَّصدِّي للعامِلَين الأوَّل والثَّاني يجب تنشيط عمليَّة التَّثقيف الدِّينيِّ والأسريِّ، وأنْ يتصدَّى لهذا التَّثقيف (كفاءاتٌ متخصِّصة في فقه الأسرة، وفي شؤونها)، وهنا لا بدَّ من التَّعاون بين (المؤسَّسات الدِّينيَّة)، و(المؤسَّسات الأسرَيَّة)، وكلَّما كان هذا التَّعاون مدروسًا، وممنهجًا أعطى ثمارًا أكبر، ونتائج أنجح.
وإنَّنا نثمِّن دورَ (مكاتب التَّوفيق الأسريِّ)، و(مكاتب الاستشارات الأسريَّة) في معالجة (الخلافات الأسريَّة) بشرط أنْ لا تكون المعالجات على خلاف أحكام الشَّريعة، وما هو الثَّابت في فقه المذاهب، وهذا ما يفرض أنْ يكون القائمون على هذه المكاتب يملكون الخبرة والدِّراية بفقه المذاهب.
العامل الثَّالث: نظرة المجتمع إلى المرأة، وهيمنة بعضِ الأعرافِ والتَّقاليد التي لا يقرُّها الشَّرع
وهنا تكون الضَّرورة – أيضًا – إلى خلق وعيٍ أسريٍّ، من أجل تنقية أجواء الأُسر من الأعرافِ والتَّقاليد الدَّخيلة، والتي أصبحت مهيمنةً على أذهان الأزواج والزَّوجات مسبِّبةً الكثير من التَّعقيدات، والخلافاتِ، والنِّزاعات.
العامل الرَّابع: عدم امتلاك المرأة القدرة عن التَّعبير عن الاضطهاد السِّياسيِّ والأمنيِّ
في عددٍ من البلدان تعاني المرأة اضطهادًا سياسيًّا وأمنيًّا، وربَّما لا تملك المرأة القدرةَ على التَّعبير عن هذا الاضطهاد، من السُّهولة في تلك البلدان أنْ تعبِّر المرأة عن معاناتِها الأسريَّة، والاجتماعيَّةِ، والحقوقيَّة إلَّا أنَّها ممنوعة أنْ تعبِّر عن معاناتها السِّياسيَّة والأمنيَّة، وحتَّى المؤسَّسات المدافعة عن حقوق المرأة في الكثير من البلدان لا تجرُؤ أنْ تدافع عن المرأة سياسيًّا وأمنيًّا.

ثالثًا: – في ضوء ما تقدَّم من عوامل – لا يجوز إطلاقًا اختزالُ مشكلةِ المرأةِ في غيابِ قانونِ الأسرة، وإهمال الحديث عن مجموعةِ عوامل لها أثرها الكبير في إنتاج الكثير من المشاكل في حياة المرأة.
فلماذا لا تُسَلَّط الأضواء على تلك الأسباب والعوامل الحقيقيَّة التي أوجدتْ أوضاعًا سيِّئة في حياةِ المرأة؟

ولماذا تصمتُ المؤسَّساتُ التي تحمل شعارَ الدِّفاع عن قضايا المرأة، ولا تقارب مساحاتٍ في حياة المرأةِ، مطلوبٌ أنْ تقاربها بكلِّ جرأة ، وشجاعة؟
ولماذا هذا الإيحاء للمرأة بأنَّ قانون الأسرة هو خشبة الخلاص من كلِّ المشاكل؟
وهل فعلًا أنَّ عذابات المرأة قد انتهت في البلدان التي طبَّقت قوانين الأسرة؟
كلُّ الإحصائيَّات تؤكِّد خلاف ذلك.

رابعًا: ما لم تتوفَّر في الأوطانِ أنظمةٌ صالحةٌ في جميع مكوِّناتها التَّشريعيَّة، والقضائيَّةِ، والتَّنفيذيَّة، فسوف تبقى المرأةُ مظلومةً، وسوف يبقى الرَّجلُ مظلومًا، وسوف تبقى الشُّعوبُ مظلومةً.
تصوَّروا أنَّ قانونًا للأسرة وُضع بين يدي جهاز قضائيٍّ في حاجةٍ إلى إصلاح، أيُّ قِيمة لهذا القانون؟
فإذا وُجدَ القضاءُ الشَّرعيُّ الصَّالحُ، ففي (مدوَّناتِ الفقه الإسلاميِّ) ما يغنِي عن ألفِ قانونٍ، وقانون.

وإذا فَسَدَ القضاءُ، فلا ينفع ألفُ قانونٍ وقانون.
في لقاءٍ قادم أتابع – إنْ شاء الله تعالى – الحديث حول قانون الأسرة، مع تعقيب على كلام لبعض الأقلام جاء مُعَنْوَنًا بهذا العنوان: (التَّكفيريُّون الأربعة لحقوق المرأة البحرينيَّة)، وعنى بالتَّكفيريِّين الأربعة حسب تصريحه: الشَّيخ عيسى قاسم، والشَّيخ عبد الحسين السِّتري، والشَّيخ محمَّد صالح الرَّبيعي، والسَّيد عبد الله الغريفي!
وآخر دعوانا الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى