حديث الجمعةشهر ربيع الأول

حديث الجمعة 451: عصرُ الإمامةِ الخاتمةِ – لكي تصلح الأوطان – استدراك وتوضيح

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.

عصرُ الإمامةِ الخاتمةِ:
في الثَّامن مِن ربيع الأوَّل سنة (260 هـ) كانت شهادةُ الإمامِ الحسنِ العسكري (عليه السَّلام).
وفي اليومِ التَّاسعِ من ربيعِ الأوَّلِ سنة (260 هـ) بدأ عصرُ الإمامةِ الخاتمةِ، إمامةِ الحجَّةِ المهدي المنتظر (أرواحنا فداه).
والإمام المهديُّ المُنْتَظَر هو الإمام الثَّاني عشر من أئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام) كما أكَّدت على ذلك روايات كثيرةٌ معتبرة.
نقرأ في كتاب (فرائد السِّمْطين) لشيخ الإسلام الحموئي الجويني الشَّافعي هذا الحديث عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال: “إنَّ خلفائي، وأوصيائي، وحججَ الله على الخَلْق بعدي لاثنا عشر، أوَّلُهم أخي، وآخرهم ولدي.
قيل: يا رسول اللهِ، ومَنْ أخوك؟
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): عليّ بن أبي طالب.
قيل: فمَن وَلَدُك؟
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): المهديُّ الذي يملأها قسطًا وعدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا.
والذي بعثني بالحقِّ بشيرًا لو لم يبقَ من الدُّنيا إلَّا يومٌ واحدٌ لطولَّ اللهُ ذلك اليوم حتَّى يخرج فيه وَلَدي المهدّي، فينزِل روحُ اللهِ عيسى بنُ مريم، فيصلِّي خَلْفَهُ، وتشرقُ الأرضُ بنورِ رَبِّها، ويبلغ سلطانَهُ المشرقَ والمغربَ”.

مراحل الإِمامةِ الخاتمة
قدَّر اللهُ تعالى للإمامةِ الخاتمةِ أنْ تمرَّ بثلاثِ مراحل:
مرحلة الغَيْبَة الصُّغرى
مرحلة الغَيْبَة الكبرى.
مرحلة الظُّهور، وقيام الدَّولة العظمى.
المرحلةُ الأولى: مرحلةُ الغَيْبةِ الصُّغرى
بدأت هذه المرحلة سنة (260 هـ).
انتهت هذه المرحلة سنة (329 هـ).
فتكون قد استمرَّت لمدَّة (69 سنة هجريَّة).
لماذا هذه الغيبة الصغرى؟

لها هدفان أساسان:
الهدف الأوَّل: التَّهيئة للغَيْبة الكبرى.
الهدف الثَّاني: التَّهيئة للنِّيابة العامَّة.
في مرحلة الغَيْبَة الصُّغرى النِّيابة خاصَّة، وليست عامَّة.

ما الفرق بين النِّيابتين؟
النِّيابة الخاصَّة: تعيين مباشر من الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)، وهذا ما تمَّ في الغَيْبة الصُّغرى.
النِّيابة العامَّة: وفيها يُعيِّن الإمام المهديُّ (عليه السَّلام) (العنوانَ، والمواصفات)، والأمَّة من خلال (أهل الخبرة) هي التي تشخِّص هذا النَّائب.
في مرحلة الغَيْبة – كما سيأتي – الإمام المهديُّ أرجع الأمَّة إلى (الفقهاء) ضمن مواصفات حدَّدها الإمامُ، فمَن توفَّر على هذه المواصفات يصلح أنْ يكون من نوَّاب الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) في عصر الغَيْبة الكبرى.
نواب الإمام المهدي في عصر الغيبة الصغرى:
مارس دور النِّيابة الخاصَّة (السَّفارة) في مرحلة الغَيْبة الصُّغرى أربعة من أبرز الشَّخصيَّات المتميِّزة المؤهَّلة الكفوءة، وهم:
•النَّائب الأوَّل (السَّفير الأوَّل): عثمان بن سعيد العَمْري.
مدَّة سفارته: من 260هـ، حتَّى 265هـ.
•النَّائب الثَّاني (السَّفير الثَّاني): محمَّد بن عثمان العَمْري.
مدَّة سفارته: من 265هـ، حتَّى 305هـ.
•النَّائب الثَّالث (السَّفير الثَّالث): الحسين بن رَوْح النُّوبختي.
مدَّة سفارته: من 305هـ، حتَّى 326هـ.
•النَّائب الرَّابع (السَّفير الرَّابع): عليّ بن محمَّد السَّمري.
مدَّة سفارته: من 326هـ، حتَّى 329هـ.
وبوفاة السَّفير الرَّابع عليّ بن محمَّد السَّمري انتهت مرحلة الغَيْبة الصُّغرى، وانتهت النِّيابة الخاصَّة عن الإمام المهديِّ (عليه السَّلام).
كما أكَّد ذلك آخر توقيع صدر عن الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) حيث جاء فيه: “فقد وقعتْ الغَيْبَة الثَّانية [التَّامة]، فلا ظهور إلَّا بعد إذن اللهِ (عزَّ وجلَّ)، وذلك بعد طولِ الأمدِ، وقسوةِ القلوبِ، وامتلاءِ الأرض جورًا، وسيأتي شيعتي مَنْ يَدَّعي المشاهدة، ألا فمَن ادَّعَى المشاهدة قبل خروج السفيانيِّ والصَّيحة، فهو كاذب مفترٍ، ولا حول ولا قوَة إلَّا بالله العليِّ العظيم”. (كمال الدين وتمام النِّعمة، الصَّفحة516، الشَّيخ الصَّدوق).
أكثر العلماء فهموا (المشاهدة) الواردة في التَّوقيع بادِّعاء السَّفارة والنِّيابة الخاصَّة في عصر الغَيْبة الكبرى.

ومَنْ يدَّعي ذلك، فهو (كاذب مفترٍ)، فيجب الحذر كلُّ الحذر من (أدعياء السَّفارة والنِّيابة الخاصَّة عن الإمام المهدي (عليه السَّلام)).
وقد كثر هؤلاء الأدعياء الدَّجَّالون، وانخدع بهم جمعٌ كبيرٌ من الجهلاء والمُضَلَّلِين الذين لا يملكون رشدًا، ولا بصيرة.
وأكثر ما يعتمده أدعياء السَّفارة في خداع البسطاء والسُّدَّج من النَّاس (الأحلام الكاذبة)، فهذه الأحلام بضاعة رائجة لدى أولئك الدَّجَّالين المشبُوهين، وكأنَّ الإمام المهديَّ (عليه السَّلام) لا يبحث إلَّا عن هؤلاء المعتوهين الكاذبين، والسُّفهاءِ، والمُضَلَّلِين!
هل سمعنا عالمًا فقيهًا صالحًا نقيًّا مجاهدًا ادَّعى السَّفارة؟
وهل رأينا أحدًا من الأبدالِ الأخيار ادَّعى السَّفارة؟
إنَّ هذه الظَّاهرة – ادِّعاء السَّفارة – تشكِّل حركة انحرافٍ عن خطِّ الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام)، وحركة تزوير، وتدليس لقضيَّة الإمام المهديِّ المُنْتَظَر (عليه السَّلام).
وقد وضع الأئمَّة (عليهم السَّلام) مجموعة محصِّنات تحمي قضيَّة الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) في مواجهة محاولاتِ التَّزوير، والتَّشويه، والتَّدليس، والعبث بمضامينها الأصيلة، هذه الضَّوابط والمحصِّنات التي أصَّلها الأئمَّة (عليهم السَّلام) استطاعت أنْ تضع أولئك (الأدعياء الدَّجَّالين) أمام افتضاح مكشوف، وأمام تعرية فاضحة.

ومن الواضح من خلال قراءة سيرة أدعياء السَّفارة أنَّهم يتورَّطون دائمًا في طرح أفكار ومفاهيم تتنافى – صراحةً – مع مُسَلَّمات مدرسة الأئمَّة من أهلِ البيتِ (عليهم السَّلام)، وكثيرًا ما يقودهم الجموح المنحرف إلى التَّناقض الفاضح مع أساسات الإسلام، وضرورات الدِّين.

فمطلوب من العلماء وحَمَلَةِ الوعي، وصُنَّاع الأصالة أنْ يواجهوا كلَّ أشكال التَّحريف، والعبث بقضية الإمام المهديِّ (عليه السَّلام)، وأنْ يَتَصَدَّوا بحكمةٍ وصلابة لكلِّ الأدعياء المزيَّفين، ولكلِّ المشكِّكين المزوِّرين.

إنَّ قضيَّة الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) في هذا العصر تواجه ثلاثةَ أشكال من الحرب:
•حرب الإلغاء.
•حرب التَّحريف.
•حرف الإجهاض.

هذا ما نوضِّحه – إنْ شاء الله تعالى – في حديث قادم.

لكي تصلح الأوطان
لا تصلح الأوطان إلَّا إذا صلحت أنظمةُ الحكم، وصلحتْ الشُّعوبُ، وصلحت القوى النَّاشطة (القوى الدِّينيَّة/ القوى السِّياسيَّة/ القوى الثَّقافيَّة/ القوى الحقوقيَّة/ القوى الاجتماعيَّة).
أوطانٌ أنظمتُها الحاكمةُ فاسدةٌ لا شكَّ أنَّ مآلاتِها إلى الفساد، والدَّمار، والانهيار.
أوطانٌ شعوبُها فاسدةٌ لا شكَّ أنَّها تتعقَّد فيها مشروعات الإصلاح، والبناء، والتَّغيير.
أوطانٌ قِواها النَّاشطةُ فاسدةٌ لا شكَّ أنَّها تتكرَّس فيها الصِّراعات، والخلافات المدمِّرة للأوطانِ.
فمن أجلِ إصلاح الأوطان:
يجب (أوَّلًا): العملُ على إصلاحِ أنظمة الحكم.
ويجب (ثانيًا): العملُ على إصلاحِ الشُّعوب.
ويجب (ثالثًا): العملُ على إصلاحِ القوى النَّاشطةِ: الدِّينيَّةِ، والسِّياسيَّةِ، والحقوقيَّة، والثَّقافيَّةِ، والاجتماعيَّة.
وهنا تأتي خطورة (المراجعةِ، والمحاسبةِ) بالنِّسبة لهذه المواقع.
كم هو خطير أنْ تغيبَ المراجعةُ، والمحاسبةُ في الشُّؤونِ الفرديَّة، فكيف إذا كانت الشُّؤونُ هي شؤونُ أوطانٍ، وشؤون شعوبٍ، وشؤونُ مؤسَّساتٍ، وكياناتٍ، ومواقع.
وإذا كانت المراجعاتُ الفرديَّةُ لها شروطُها، فإنَّ المراجعاتِ والمحاسباتِ العامَّةِ تحتاج إلى شروطٍ أصعبَ، وأشدَّ، وأعقدَ وأخطر.
كم يملك الإنسانُ القدرة أنْ يحاسب شؤونه الشَّخصيَّة والفرديَّة، رغم أنَّ هذا ليس أمرًا سهلًا، فالانتصار على (الأنا) في الدَّاخلِ وإنْ كانت (أنا) فرديَّة يحتاج إلى درجةٍ عالية من الإرادةِ، والنَّزاهةِ والموضوعيَّة.
أمَّا إذا كانت الشُّؤونُ شؤونَ موقعٍ، شؤونَ حُكمٍ، شؤونَ قيادةٍ، شؤونَ وطنٍ، شؤونَ شعب، شؤونَ مسؤوليَّاتٍ، شؤون مصالح كبرى هنا الانتصار على (الأنا) يحتاج إلى مستوياتٍ أعلى وأعلى من الإرادة،ِ والنَّزاهة، والموضوعيَّة.
هنا يجب أنْ تتضافر جهودٌ وقدراتٌ تتجاوز جهودَ وقدراتِ الأفراد.
المراجعةُ والمحاسبةُ بالنِّسبة لأنظمة الحكم
أنظمةُ الحكمِ هي المواقع الأقوى والأكبر تأثيرًا في أوضاع ومساراتِ الأوطانِ والشُّعوبِ؛ كونها تملك الأدوات الأقوى.
ومهما مارست القوى الأخرى أدوارها بكلِّ صدقٍ وإخلاصٍ وفاعليَّةٍ، فإنَّها لا توازي أدوارَ الأنظمةِ الحاكمةِ.
لا يعني هذا أنَّنا نقلِّل من قِيمة أدوارِ الشُّعوب، وأدوارِ القوى النَّاشطة في الأوطان، وبالأخص القوى: الدِّينيَّة، والسِّياسيَّة، والاجتماعيَّة، فإنَّ هذه الأدوار لها تأثيراتها الفاعلة والخطيرة، وربَّما تُعطِّل وتُرْبِك كلَّ مشروعاتِ الإصلاح والتَّغيير إذا أرادت ذلك!
نعم، إذا عطَّلتْ الأنظمةُ الحاكمة (إمكاناتِها، وقدراتها في الإصلاح)، فسوف تبقى إمكانات وقدراتِ الُّشعوب مُعطَّلةً ومشلولةً، وكذلك إمكاناتُ وقدراتُ القوى النَّاشطة.
إلَّا أنَّ هذا لا يبرِّر للشُّعوب والقوى أنْ تجمِّد أدوارها مهما كانت الظُّروف التي تحاصرها – ويأتي ما يوضح هذا حينما نعرض إلى مراجعة ومحاسبة الشُّعوب والقوى نفسها -.
كيف يجب أنْ تمارس الأنظمة عمليَّة المراجعة والمحاسبة؟
مطلوب من أنظمة الحكم:
أوَّلًا: أنْ تحاسب وتراجع كلَّ أداءاتِها التَّشريعيَّةِ، والتَّنفيذيَّةِ، والقضائيَّةِ، والأمنيَّةِ.
ولا تُشكِّل هذه المراجعةُ والمحاسبةُ ضعفًا وهزيمةً، وفشلًا للأنظمةِ الحاكمةِ، بل هو مظهر قوَّةٍ، وانتصارٍ، وصحَّةٍ، وصلابةٍ.
الأنظمة التي تخشى أن تحاسب وتراجع أوضاعَها، وسياساتِها ومؤسَّساتِها هي أنظمة ضعيفة، وغير واثقة من نفسها، لأنَّها من خلال المراجعاتِ والمحاسبات سوف تنكشف كلُّ أخطائها، وأزماتها.

لا مشكلة أنْ تكون في سياساتِ الأنظمة أخطاء، ولكن المشكلة حينما تغيب المراجعات والمحاسبات، فتتكرَّسُ الأخطاء، وتتلوَّث السِّياسات، وتنحرف المسارات، وتموت الإصلاحات، وتتحطم الأوطان، وتتدمَّر الشُّعوب.
إنَّ دور المناصحةِ للأنظمة أمر في غاية الأهمية ما دامت هذه المناصحةُ رشيدةً، وصادقةً، ومخلصةً للأوطانِ، وبعيدةً عن التَّطرُّف والانفعال، وأمينة على أهدافِ الشُّعوب.
ولا نظنُّ أنَّ أنظمةً صالحةً تضيق بالكلمة النَّاصحة، والرُّؤيةِ البصيرة، والنَّقدِ المهذَّب، والمحاسبةِ النَّزيهة، والفكرةِ الصَّائبة، والقولِ الطَّيِّب، والرَّأي المنصفِ.
فمن أهم أدوات المراجعة والمحاسبة لدى الأنظمة الحاكمة هي الإصغاء إلى لغة المُناصحة التي تحمل صلاح الأوطان هدفًا وغاية، وتعتمدُ الاعتدالَ والإنصاف نهجًا ووسيلةً.

استدراك وتوضيح
في حديثي المتقدِّم حول (اتِّفاقيَّة سيداو) أشرت إلى موقف أمريكا، وهنا أضع هذا الاستدراك والتَّوضيح:
أمريكا وقَّعت على اتِّفاقيَّة (سِيداو) ولكنَّها لم تُصادق عليها، ولم يُصادق عليها (الكونغرس) وهو الأهم، لأنَّها تتعارض في نظرهم مع الدُّستور الأمريكيِّ، وقِيَم الأسرة ممَّا أنتج لديهم تحفُّظات على هذه الاتِّفاقيَّة، وقد فشل ثلاثة رؤساء أمريكيِّين في المُصادقة عليها (جيمي كارتر، وبيل كلنتون، وجورج بوش)، وحتَّى أوباما!
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى