حديث الجمعة 575: المسألة الإنسانيَّة في مواجهة الوباء – والإمام المهديُّ المُنتظَر (عليه السَّلام) وفق منظورنا – كلمات ختاميَّة
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
المسألة الإنسانيَّة في مواجهة الوباء
والإمام المهديُّ المُنتظَر (عليه السَّلام) وفق منظورنا
الحمد للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ المصطفى وعلى آله الهداة الميامين، وبعد:
المسألة الإنسانيَّة
فأبدأ بكلمة عن (المسألة الإنسانيَّة).
العالم بكلِّ استنفاراتِه يعيش معركة صراع مع جائحة الوباءِ المرعب، والَّذي فتك بحياة عشراتِ الآلاف حتَّى اللَّحظة!، والعدد في تصاعد مُخيف، والمصابون اقترب عددهم من المليونين، والمهدَّدون أعدادُهم أرقام استثنائيَّة.
ممَّا يفرض على العالم بكلِّ أنظمتهِ، وشعوبهِ، ومكوِّناتِه، وتحالفاتِهِ أنْ يعطي (للمسألة الإنسانيَّة) أولويَّاتِها، وأنْ يُجمِّد كلَّ الحسابات الأخرى خاصَّة تلك التي أنتجتها أغراضُ السِّياسة، وأغراض الهيمنة، وأغراض المصالح، فتحدِّيات الوباء تفرض (خَيارات التَّعاون)، فالخلافات تدفع إلى المزيد من سقوط الضَّحايا من أبناءِ البشر.
فكم هي الحاجة كبيرة وكبيرة جدًّا إلى تغليب (الدَّوافع الإنسانيَّة)، وإلغاء (الأنانيَّات).
ما أجملَ تعاليمَ الدِّين التي تعطي لهذه الدَّوافع الإنسانيَّة قيمتَها الكبرى، لا فرق بين إنسان وإنسان مهما كان الانتماء، فالجميع عيال الله تعالى.
1-في الكلمةِ عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): الخلق عيال الله، فأحبُّ الخَلْق إلى الله مَن نفع عيال الله، …» (الكافي 2/164، الشَّيخ الكليني).
2-«سئل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): مَن أحبُّ النَّاس إلى الله؟
قال: أنفع النَّاس للنَّاس» (الكافي 2/164، الشَّيخ الكليني).
3-وفي الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «…، فإنَّهم – أي: النَّاس – صنفان: إمَّا أخ لك في الدِّين، أو نظير لك في الخلق، …». (ميزان الحكمة 1/506، محمَّد الريشهري).
الرَّحمة بالحيوانات!
ولم تكتفِ كلمات الدِّين بصنع المعروف للبشر، بل تحدَّثت عن الرَّحمةِ بالدَّوابِ، والبهائم!
1-في الكلمة عن الإمام الباقر (عليه السَّلام): إنَّ الله تبارك وتعالى يحبُّ إبراد الكبد الحرَّى، ومن سقَى كبدًا حرَّى من بهيمة، أو غيرها أظلَّه الله يوم لا ظلَّ إلَّا ظلُّه» (الكافي 4/58، الشَّيخ الكليني).
2-وفي الكلمة عن الإمام الصَّادقِ (عليه السَّلام): «إنَّ عيسى بن مريم (عليه السَّلام) لمَّا مرَّ على شاطئ البحر رمى بقرص من قوته في الماء، فقال له بعض الحواريِّين: يا روح الله وكلمته، لِمَ فعلت هذا وإنَّما هو من قوتك؟
قال: فقال: فعلت هذا لدابة تأكله من دوابِّ الماء، وثوابه عند الله عظيم». (وسائل الشيعة 9/408، الحر العاملي).
هكذا الدِّين يُعمِّق (هذا الحسَّ)؛ ليتحوَّل عطاءً وخيرًا لكلِّ البشر، بل حتَّى لغير البشر من بهائم ودوابٍّ.
فكيف إذا كان العالم يمرُّ بكوارث، هنا القِيمة كلُّ القِيمة حينما تنشط (الأحاسيس الإنسانيَّة)، والتي تتجاوز كلَّ (الفواصل، والانتماءات)، وتتجاوز كلَّ (الحسابات الخاصَّة).
فليس من شِيم الدِّينِ، ولا مِن شيم الإنسانية أنْ نسمع (استغاثاتٍ)، فنبقى صامتين، ونبقى متفرِّجين، لا فرق في هذا الاستغاثات أنْ تكون:
أ-من أهلِ مذهبِكَ.
ب- من أهلِ دينِكَ.
ج-مِن أهلِ وطنِكَ.
د-مِن أهل أُمَّتِكَ.
ه-من أيِّ إنسانٍ مهما كان انتماؤه.
في مِثْل هذه الأزمات تُمتَحنُ (القِيم)، فكم تسقط قِيمُ أنظمةٍ، وقِيم انتماءات، وقِيمُ أحزابٍ، وقِيمُ منظَّماتٍ، وقِيمُ مؤسَّساتٍ، وقِيم جماعاتٍ، وقِيمُ أفراد.
لا تمتحن القِيم في أوقات (الرَّخاء) بقدر ما تمتحن في أوقاتِ (الأزمات).
فربما ينجح الكثيرون في ممارسة (القِيم) حينما يكون (الرَّخاء)، ولكنَّهم يفشلون حينما تكون الأزمات.
وقد يكون العكس، فنجد أناسًا لا تحرِّك هِمَمُهمْ وشِيَمُهمْ إلَّا (الأَزَمات)، فينشطون، ويبذلون، ويضحُّون.
وتبقى القِيمة الكبرى لِمنْ يكون ُمِعْطاءً حينما تكونُ الحاجةُ للعَطاءِ، في شدَّةٍ، أو رخاء وإنْ كانت الحاجةُ للعطاءِ أكبر حينما تكونُ الأزمات، ولهذا يتضاعف الأجر والثَّواب.
الإمام المهديُّ المُنتظَر (عليه السَّلام) وفق منظورنا
قلنا: هناك منظوران حول (الإمام المَهْدي المُنْتظَر عليه السَّلام)
المنظور الأوَّل: مُصلح من أهل البيت (عليهم السَّلام)
إنَّه مصلحٌ من أهل البيت (عليهم السَّلام) يُولد في آخر الزَّمان، ويتمكَّن من إقامة دَولة العدل في الأرض، وهذا المنظور يتبنَّاه أغلب علماء السُّنَّة.
المنظور الثَّاني: المُصلح هو الإمام المهديُّ المُنتَظَر (عليه السَّلام)
إنَّه الإمام الثَّاني عشر من أئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام)، والَّذي وُلد عام (255 ه)، وَغاب، وسوف يظهر في آخر الزَّمان؛ ليملأ الأرض قِسْطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، وهذا المنظور يتبنَّاه الشِّيعة الإماميَّة، وعددٌ من علماء المذاهب الأخرى.
حديثنا هنا عن (المهدي المُنتظَر عليه السَّلام) وفق رؤية مدرسة الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام).
وعنوان الحديث
(المراحل في حركة الإمام المهدي المُنْتظَر عليه السَّلام)
حركة الإمام المهديِّ المُنتظَر (عليه السَّلام) قُدِّر لها أنْ تمرَّ بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الغَيْبَة الصُّغرى
المرحلة الثَّانية: مرحلة الغَيْبَة الكبرى
المرحلة الثَّالثة: مرحلة الظُّهور، وقيام الدَّولة العالميَّة الكبرى
المرحلة الأولى: مرحلة الغَيبة الصُّغرى
بدأت سنة 260 هجريَّة.
وانتهت سنة 328 هجريَّة، أو 329 هجريَّة.
مهمَّاتُ هذه المرحلة
وهنا أذكرُ خمسَ مُهمَّاتٍ رئيسة:
المهمَّةُ الأولى: الإعدادُ لمرحلةِ الغَيْبةِ الكبرى
فالمنتمون لمدرسة الأئمَّة من أهلِ البيت (عليهم السَّلام) لم يألفوا هذا النَّمطَ من (الغَيْبَات الطَّويلة) رغم وجود كثافة من الأحاديث التي حاولت أنْ تُهيئ ذهنيَّةَ أتباعِ هذه المدرسةِ؛ لكيلا يفاجأوا، ومع ذلك كانت الضَّرورة أنْ تكون هناك مرحلةٌ تُهيِّئ للغَيْبَة الكبرى، وفعلًا حدثت الغَيْبة الصُّغرى.
المهمَّة الثَّانية: تربيةُ أتباعِ مدرسةِ أهلِ البيت (عليهم السَّلام) على طريقةِ التَّعاطي مع (الإمام الغائب)
فيما هي (الاستفتاءاتُ)، و(الاستفسارات).
وفيما هي (معالجة القضايا، والإشكالات).
وفيما هي (الأوامر والتَّوجيهات الصَّادرة عن الإمام عليه السَّلام).
وفيما هي (شؤون الأموال، والحقوق الشَّرعيَّة).
المهمَّةُ الثَّالثةُ: التَّهيئة لمرحلة (نيابة الفقهاء)
في مرحلة الغَيبة الصُّغرى هناك (نيابة خاصَّة)، حيث يقوم الإمام المهديُّ (عليه السَّلام) نفسُهُ بتعيين (نائب)، وهذا يُسمَّى (النَّائب الخاصُّ)، أو(السَّفير)، ويأتي الحديث عن (السُّفراء) الَّذين عيَّنهم الإمام (عليه السَّلام) في مرحلة الغَيْبة الصُّغرى.
أمَّا في مرحلة الغَيْبة الكبرى، فالنِّيابة عامَّة، حيث يحدِّد الإمام (عليه السَّلام) مجموعة مواصفات دون أنْ يعيِّن (أشخاصًا)، وهذه النِّيابة تسمَّى (نيابة الفقهاء).
فمِن مهامِّ الغَيْبة الصُّغرى (التَّهيئة لمرحلة النِّيابة العامَّة)، وهي نيابة الفقهاء.
المهمَّة الرَّابعة: تربية أتباعِ المدرسةِ على التَّصدِّي لمحاولات الاختراق التي تستهدف (النِّيابات الأصيلة)
ففي مرحلة الغَيْبة الصُّغرى حدثت بعض الاختراقات من خلال (أدعياء كاذِبين) ادَّعوا (السَّفارة الخاصَّة)، أمثال:
1-محمَّد بن نصير النميري
2-محمَّد بن علي بن بلال
3-محمَّد بن علي الشَّلمغاني
وقد اعتمد هؤلاء الأدعياء شتَّى الأساليب؛ لخداع النَّاسِ، وتضليلهم؛ من أجل الهيمنة على العقول والعواطف.
وصدر عن الإمام (عليه السَّلام) تحذيرات مشدَّدة في مواجهتهم، وتعريتهم، كما تصدَّى فقهاء مدرسة الأئمَّة (عليهم السَّلام) إلى هؤلاء (الأدعياء)، وكشفوا أكاذيبَهم، وضلالاتهم.
وهكذا تمَّ التَّحصين لأتباع المدرسة؛ لمواجهة محاولات الاختراق المُحتملة في المرحلة القادمة (مرحلة الغَيْبة الكبرى).
المهمَّة الخامسة: التَّدريب على (فكرة الانتظار)
بما تحمله هذا الفكرة من دلالاتٍ كبيرة يجب أنْ يؤسَّس لها؛ لكيلا تنحرف عمليَّة التَّعاطي مع هذه الفكرة.
السُّفراء المعتمدون في مرحلة الغَيْبة الصُّغرى
السَّفير الأوَّل: عثمان بن سعيد العمري
مدَّة سفارته: 260 هجريَّة – 265 هجريَّة
وكان له منزلة عظيمة:
1-قال الإمام الهادي (عليه السَّلام): «العمري ثقتي، فما أدَّى إليك عنِّي، فعنِّي يؤدِّي، وما قال لك عنِّي، فعنِّي يقول، فاسمع له وأطع، فإنَّه الثِّقة المأمون» (الكافي 1/330، الشَّيخ الكليني).
2-وقال الإمام الحسن العسكريُّ (عليه السَّلام) متحدِّثًا عن العمري: «هذا أبو عمرو الثِّقة الأمين ثقة الماضي، وثقتي في المَحْيَا والممات، فما قاله لكم، فعنِّي يقوله، وما أدَّى إليكم، فعنِّي يؤدِّيه» (الغَيْبة، الصفحة 355، الشَّيخ الطُّوسي).
السَّفير الثَّاني: محمَّد بن عثمان العمري
مدة سفارته: 265 هجريَّة – 305 هجريَّة
قال الإمام العسكريُّ (عليه السَّلام): «العمري وابنه ثقتان، فما أدَّيا إليك عنِّي، فعنِّي يؤدِّيان، وما قالا لك عنِّي، فعنِّي يقولان، فاسمع لهما، وأطعهما، فإنَّهما الثِّقتان المأمونان، …» (الوافي 2/397، الفيض الكاشاني).
السَّفير الثَّالث: الحسين بن رَوح النُّوبختي
مدَّة سفارته: 305 هجريَّة – 326 هجريَّة
وهو من الثِّقات الأجلَّاء المعتمدِين.
السَّفير الرَّابع: علي بن محمَّد السَّمَّري
مدَّة سفارته: 326 هجريَّة – 328 هجريَّة، أو 329 هجريَّة
وهو من الأجلَّاء العظماء.
لا سفارة خاصَّة بعد وفاة السَّفير الرَّابع
وبوفاة السَّفير الرَّابع علي بن محمد السَّمري (328 هجريَّة أو 329 هجريَّة) انتهت السَّفارة بأمر من الإمام المهديِّ (عليه السَّلام) أرواحنا فداه.
جاء في التَّوقيع من الإمام (عليه السَّلام) والموجَّه إلى السَّفير الرَّابع علي بن محمَّد السمري:
«…، فاجمعْ أمرَك، ولا توصِ إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتِك، فقد وقعت الغَيْبَة الثَّانية [التَّامة]، فلا ظهور إلَّا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ) وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورًا، وسيأتي شيعتي مَن يدَّعي المشاهدة، أَلَا فمَن ادعى المشاهدة قبل خروج السَّفيانيِّ، والصَّيحة، فهو كاذب مفترٍ، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العليِّ العظيم» (كمال الدِّين وتمام النِّعمة، الصفحة 516، الشَّيخ الصَّدوق).
وهكذا تكون كلُّ دعاوى السَّفارة في عصر الغَيْبة الكبرى هي دعاوى باطلة، وكاذبة، وزائفة، وتشكِّل انحرافًا خطيرًا.
وفعلًا حدثت هذه الدَّعاوى الباطلة عبر تاريخ الغَيْبة، ولا زالت حتَّى العصر الرَّاهن، وفي بلدان متعدِّدة، وربَّما ارتقى بعضها إلى (ادِّعاء المهدويَّة)!
ولست – هنا – في صدد طرح (الشَّواهد)، وما أريد التَّأكيد عليه: إنَّ (الفقهاء الأجلَّاء)، و(العلماء الغيارى) قد تصدَّوا بقوَّة إلى هذه (الاختراقات المنحرفة) انطلاقًا من (التَّكليف الشَّرعيِّ)، وحماية للنَّاسِ من السُّقُوط في (ضلالات) هذه الدَّعاوى الباطلة، والتي تشكِّل انحرافًا خطيرًا، لا يجوز الصَّمت عليه.
ومطلوب من النَّاس الحذر الحذر من أيَّة (دعاوى) ترتبط بالنِّيابة والسَّفارة، ومطلوبٌ – جدًّا – الرُّجوع إلى (الفقهاء الأمناء)، وإلى (العلماء الثِّقاة)؛ لتحديد (الرُّؤية والموقف الشَّرعيِّ) حول أية فكرة تحمل (شعار الإمام المهدي عليه السَّلام)، وهو شعار من الطَّبيعي أنْ يجتذب (عُشَّاق الإمام المهديِّ عليه السَّلام)، وهذا ما جعل بعضُ العابثين، وأصحابِ الأهداف المشبوهةِ يتمكَّنون من الولوج إلى ذهنيَّات الكثير من (البسطاء)، ومن الَّذينَ لا يملكون وعيًا حقيقيًّا، ورؤية بصيرة بـ(قضيَّة الإمام المهديِّ عليه السَّلام)، فيسقطون في متاهات هذه الدعاوى الباطلة، لمجرَّد أنَّها تناغم عواطفَهم، وما في داخلهم من عشق للإمام المهديِّ المُنتظَر (عليه السَّلام).
فالحذر الحذر، لأنَّ في هذا ضلالًا وأيَّ ضلال، وانحرافًا أيَّ انحراف، وخسارةً أيَّة خسارة!
وربَّما تكون (البداية) لدى البعض صادقة حينما يؤكِّدون على (الارتباط بالإمام المهديِّ عليه السَّلام) من خلال (الدُّعاء)، و(الزِّيارة)، و(النُّذور)، و(كثرة اللَّهج بذِكرى الإمام عليه السَّلام)، وبمرور الزَّمن يتحوَّل هؤلاء إلى (مواقع مقدَّسة)، فتتمركز حولهم (العواطف، والمشاعر)، ويتحوَّلون إلى (أبواب للإمام المهديِّ عليه السَّلام)، و(وسطاء)، وتستمرُّ العمليَّة هكذا إلى أنْ يرتقوا إلى مستوى (النِّيابة، والسَّفارة) بعض الذين ادَّعوا (السَّفارة) كانت بداياتهم هكذا!
البصيرة بالدِّين
أيُّها الأحبَّة، البصيرة، البصيرة في الدِّين أمر مطلوب جدًّا، وغياب البصيرة يؤدِّي إلى (التِّيه، والضَّلال)، والعاقبة خسرانٌ، وسوء مصير.
1-يقول تعالى: ﴿… فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ (سورة الحجِّ: الآية 46).
2-وفي الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ليس الأعمى مَن يعمى بصره، إنَّما الأعمى مَن تعمى بصيرته» (ميزان الحكمة 1/266، محمَّد الريشهري).
3-وفي الحديث: «العامل على غير بصيرة كالسَّائر على غير الطَّريق لا يزيده سرعة السَّير إلَّا بعدًا» (الكافي 1/43، الشَّيخ الكليني).
وكيف تتشكَّل (بصيرتنا بالإمام المهديِّ عليه السَّلام)؟
تتشكَّل هذه البصيرة من خلال الرُّجوع إلى (الفقهاء الأمناء)، وإلى (العلماء الثُّقاة).
للفقهاء الأمناء (فتاوى) واضحة في هذا الشَّأن، و(مواقف) صريحة.
وللعلماء الثُّقاة توجيهاتٌ، وكلماتٌ، وكتاباتٌ تؤسِّسُ للارتباط البصير بقضيَّة الإمام المهديِّ المُنتظَر (عليه السَّلام) أروحنا فِداه.
تنشيط الخطاب الدِّينيِّ
وهنا أوجِّه إلى أنْ ينشط خطابُنا الدِّينيُّ:
1-خطابُ المسجد.
2-خطابُ المنبر.
3-خطابُ المناسبات.
4-خطابُ المحاضرات.
5-خطابُ التَّأليف.
6-خطاب الفعاليَّات … .
أنْ ينشط هذا الخطابُ في (إنتاجِ وعي انتظاريٍّ أصيل).
وفي مواجهة كلِّ (أشكال التَّحريف)، وكلِّ أشكالِ (العبثِ بعقول النَّاس) بعناوين فيها الكثيرُ من الخداعِ، والتَّزوير، وتحريف المفاهيم.
تحرُّك الحديث عن الإمام المُنتظَر (عليه السَّلام)
ويجب أنْ لا يتمركز الحديثُ عن (الإمام المهديِّ المُنتظَر عليه السَّلام) تمركزًا موسميًّا في ذكرى الولادة، بل يجب أنْ يتحرَّك هذا الحديث في أيَّام السَّنة، وفي كلِّ المناسبات؛ كون (قضيَّة الإمام المُنتظَر عليه السَّلام) تشكِّل (عنوانًا) لمستقبل العالم، حيث النِّهاية لحاكميَّة الإسلام، وحيث النِّهاية لانتصار العدل.
فقضيَّة في هذا المستوى من الحجم لا يصحُّ إطلاقًا أنْ يُسجن الحديث عنها في بضعة أيَّام، وفي بعض كلمات، وخاصَّة أنَّها تواجه (تحدِّياتِ المُصَادَرة)، و(تحدِّياتِ التَّحريفِ، والسَّرقة)!
تحدِّياتُ المصادرةِ والإلغاء، وتحديات التَّحريف والسَّرقة في هذا الزَّمان قد وُظِّفَ لها إمكاناتٌ هائلةٌ، وجُنِّدت لها قُدُراتٌ كبيرةٌ وبعناوين متعدِّدة، وبشعاراتٍ مُلمَّعة، وربَّما دخلت (عناوين الحداثة)، وشعارات التَّجديد)؛ من أجل سرقة العقول، ومن أجل (الخداع)، و(التَّضليل)، وهكذا يسقط كثيرون، وينحرف كثيرون، وهذا ما يجعلنا نفهم دلالات بعض الأخبار والتي تحدَّثت عن آخر الزَّمان حيث «… يصبح الرَّجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، …» (معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السَّلام 1/41، الشَّيخ علي الكوراني العاملي)!
لماذا؟
لكثافة وسائل العبث بعقول النَّاسِ.
ولكثافة أدوات التَّضليل.
ولاختلاط العناوين.
ولخداع الشِّعارات.
ولضياع المعايير.
ولهيمنة المصالح.
ولانتشار الفتن.
هنا الضَّرورة إلى (ثقافة الانتظار الأصيل).
ما ثقافة الانتظار الأصيل؟
لهذا حديث يأتي بإذن الله تعالى.
كلمات ختاميَّة
واختم هذا الحديث ببعض كلمات:
الكلمة الأولى: الاهتمام بشأن خطباء المنبر
تأكيدًا لمَّا تقدَّم من ضرورة الاهتمام بشأن خطباء المنبر والَّذين لم يخذلونا يوم كانت مآتمنا في حاجة إليهم، فهل نخذلهم وهم في مثل هذه الأزمة؟
وسبق أنْ وجَّهت خطابًا عامًّا فيما هي مسؤوليَّتنا جميعًا تجاه هؤلاء.
وهنا أوجِّه الخطاب إلى (إدارات المآتم) بالخصوص:
أوَّلًا: إنَّ مسؤوليَّة إدارات المآتم أنْ يستمرَّ دور المآتم بأيَّة وسيلة ممكنه، فإنْ تعذَّرت المجالس المباشرة، فمن خلال المجالس الإلكترونيَّة.
ثانيًا: مسؤوليَّة إدارات المآتم أنْ يدعموا خطباء المنبر بأيَّة وسيلة ممكنة، كـ:
1-استئجارهم لمجالس عبر الفضاء الافتراضيِّ.
2-مساعدتهم ماليًّا.
ويمكن إيجاد مخارج شرعيَّة لصرف أموال المآتم بمراجعة العلماء المعتمدِين، ولا يجوز تعطيل الأموال مع وجود وجوه لصرفها.
الكلمة الثَّانية: أسبوع التَّهيئة للشَّهر الفضيل
أقترح أنْ ينطلق (أسبوع التَّهيئة للشَّهر الفضيل) يشارك في هذا الأسبوع عدد من العلماء، والخطباء، ويعالج هذا الأسبوع (أساليب التَّعاطي مع الشَّهر الفضيل)، وخاصة في ظلِّ الأجواء الرَّاهنة.
الكلمة الثَّالثة: البرنامج القرآنيُّ لـ(جمعيَّة اقرأ)
جمعية اقرأ القرآنيَّة أطلقت (برنامجًا قرآنيًّا) للشَّهر الفضيل وهو برنامج واعٍ ومتميِّز، فالأمل من المؤمنين أنْ يدعموا هذا البرنامج، وأنْ يتعاطوا معه بكلِّ جدِّيَّه، وإيجابيَّة، فلا أعظم أجرًا من التَّعاطي مع كتاب اللهِ تعالى في شهر الله المُبارك، وأتمنَّى أنْ نجد لبقيَّة الجمعيَّات القرآنيَّة (برامجَ فاعلة) استثمارًا لهذا الشَّهر الفضيل، وتنشيطًا للأجواء القرآنيَّة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.