حديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 419: في ذكرى ميلاد الإمام الحسن العسكري (عليه السَّلام)

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ وعلى آلِهِ الهداةِ الميامين، وبعد:


في ذكرى ميلاد الإمام الحسن العسكري (عليه السَّلام):


لإحياء هذه المناسبات مجموعة أهدافٍ رئيسية:


من هذه الأهداف: (تجذير الولاء لآل محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
وهنا إشكالية تُطرح: إنَّكم بهذا تكرِّسون الحسَّ المذهبي والطائفي.
وردًا على هذه الإشكالية نقول:


أولًا: هل أنَّ الحديث عن أهل البيت يعدُّ تكريسًا للحسِّ الطائفي؟
ثانيًا: هل أنَّ قضية الولاء لأهل البيت قضية مذهبية أم أنها من القضايا الإسلامية التي أصَّلتها النصوص الدينية (القرآن والسُّنة)؟


القرآن أصَّلَ هذا الولاء:


• ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ (الشورى/ 23).
وقد أكَّدت روايات المسلمين أنهم (قربى النبي صلَّى الله عليه وآله).
• وقال النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«حُبِّي وحبُّ أهل بيتى نافع في سبعة مواطن أهوالهنَّ عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الصِّراط، وعند الميزان».


ثالثًا: إنَّ خطابنا في هذه المناسبات ليس خطابًا طائفيًا، ولا خطابًا يُكرِّس العداء للمذاهب الأخرى…


إنَّنا في خطابِ هذه المناسباتِ ننطلق من (وصايا أئمتنا عليهم السَّلام) وهي وصايا أكَّدت على (مرتكزات الوحدة بين المسلمين)، وحذَّرت من الخلافات والصراعات في داخل الأمة، ووجَّهت الشيعة أنْ يتواصلوا مع أبناء المذاهب الأخرى.


أقرأ هنا مقطعًا من وصيةٍ للإمام الحسن العسكري (عليه السَّلام) وجَّهها إلى شيعته، يقول هذا المقطع والذي بدأه بقوله: «أوصيكم بتقوى الله والورع في دينكم…» إلى أنْ قال مخاطبًا الشيعة:
• «صَلُّوا في عشائرهم» أي احضروا في مساجد المسلمين الذين تختلفون معهم في المذهب، وشاركوهم في صلوات جماعاتهم…
• «واشهدوا جنائزهم» بمعنى شاركوا إخوانكم من أتباع المذاهب الأخرى في أحزانهم وآلامهم، فتألموا كما يتألمون، واحزنوا كما يحزنون، وكذلك شاركوهم في أفراحهم، فافرحوا كما يفرحون…


هكذا أكَّد الإمام (عليه السَّلام) على وحدة المشاعر والعواطف والأحاسيس، فالمسلمون جميعًا بكلِّ مذاهبهم وطوائفهم كالجسد الواحد «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».


• «وعودوا مرضاهم» فأوجاعهم هي أوجاعكم، ومعاناتُهم هي معاناتكم، ومآسيهم مآسيكم، ومرضاهم هم مرضاكم، وجرحاهم هم جراحكم…


• «وأدُّوا حقوقهم» فللمسلم على المسلم حقوق كثيرة…
قال نبيُّنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«حقُّ المسلم على المسلم ست:
– إذا لقيته فسلّم عليه.
– وإذا دعاك فأجبه.
– وإذا استنصحك فانصح له.
– وإذا عطس فحمد الله فشمِّته.
– وإذا مرض فعِدهُ.
– وإذا مات فاتَّبعه».


وقال إمامنا الصَّادق (عليه السلام):
«حقُّ المسلم على المسلم أنْ لا يشبع ويجوع أخوه، ولا يروى ويعطش أخوه، ولا يكتسي ويعرى أخوه».


ومن الحقوق التي أكَّدتها الأحاديث:
– الإجلال له في عينه.
– والود في صدره.
– والمواساة له في ماله.
– وأنْ يحب له ما يحب لنفسه.
– وأنْ يحرم غيبته.
– وأنْ يعوده في مرضه.
– وأنْ يشيِّع جنازته.
– ولا يقول فيه بعد موته إلَّا خيرًا.
من هنا يجب أنْ نفهم دلالة وصية الإمام الحسن العسكري لشيعته حينما قال: «وأدُّوا حقوقهم» إنَّه هنا لا يتحدَّث عن حقوق الشيعة وإنَّما عن حقوق إخوانهم من المسلمين الذي يختلفون معهم في المذهب…
إلى أن قال في وصيته: «فإنَّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدَّى الأمانة، وحسَّنَ خلقه مع النَّاس قيل هذا شيعي فيسرُّني ذلك».
هكذا يريد أئمتُنا (عليهم السَّلام) لشيعتهم وأتباعهم أنْ يكونوا دعاة محبَّةٍ، وأخوةٍ، وتسامحٍ، ووحدةٍ، وألفةٍ، وتقاربٍ…


وليس دعاة كراهيةٍ، وعداوةٍ، وتشدُّدٍ، وتمزُّقٍ، وتشتًُّتٍ، وخلافٍ، وتباعد…
هذا ما أراده الأئمة من أهل البيت (عليهم السّلام) لشيعتهم وأتباعهم…
وطالما خاطبونا بقولهم: «كونوا لنا زينًا ولا تكونوا علينا شينًا».
هل نكونُ زينًا لأهل البيت حينما نكون عناصر فتنةٍ، وتدابرٍ، وتباغضٍ، وهدمٍ لوحدة المسلمين، وحينما نكون أدواتِ فسادٍ وإفسادٍ، وعبثٍ، وشتاتٍ…


إذًا لن تكون إحياءاتنا لمناسباتِ أئمتِنا (عليهم السَّلام)، سواءً أكانت مناسباتِ أفراحٍ أو مناسباتِ أحزانٍ، لن تكون مواقع تؤسِّس لثقافةِ الخلافِ والصراع بين المسلمين…


وإذا تحوَّلت هذه المناسبات يومًا ما إلى مواقع تغذِّي الفتنة والعداوات بين المسلمين فقد خرجت عن منطلقاتها ومساراتِها وغاياتِها…
ومسؤولية كلِّ المعنيين بشأن هذه المناسبات أنْ يحصِّنوها ويسيِّجوها لكي تحافظ على أهدافها الأصلية وغاياتها الكبيرة…


بل مسؤولية كلِّ المعنيين بشأنِ المنابرِ الدِّينية أنْ يُؤظِّفوها في خدمةِ أهداف الوحدة بين المسلمين، إنَّ من أهمِّ مُنتجاتِ التطرُّفِ والإرهابِ هو (المنابر الدِّينية) التي تمارسُ شحنًا طائفيًا ومذهبيًا، وتكرِّسُ الصِّراعات والخلافات ولا فرق في أن تكون هذه المنابرُ رسميةً أو شعبية، ولا فرق في أنْ تكون هذه المنابرُ سنِّيةً أو شيعيةً أو منتمية إلى أيِّ طائفةٍ أو مذهب.


ليس منبرَ دينٍ حقًّا ذاك الذي يؤزِّمُ (وحدة الأمة) و(وحدة الوطن).
فالقرآن المنزل من الله جلَّ جلاله يصدع قائلًا:


• ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ (سورة الأنبياء/92).
• ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ (سورة المؤمنون/52).
• ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ (سورة آل عمران /103).
• ﴿وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ (سورة الأنفال/46).


• ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ (سورة آل عمران/105).


• ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ (سورة الشورى/ 13).
هذا هو خطاب القرآن، فأيّ مِنبرٍ يُمثِّل نهج القرآن فهذا هو نهج القرآن:
– أمةٌ واحدة.
– اعتصامٌ واحدٌ بحبل الله.
– لا تفرّق، لا تنازع، لا اختلاف.


فمنبرٌ يُفتِّت وحدةَ الأمةِ ليس منبرًا قرآنيًا.
ومنبرٌ لا يتمسَّكُ بحبلِ الله ليس منبرًا قرآنيًا.
ومِنبرٌ يُفرِّق، وينتج تنازعًا، واختلافا ليس منبرًا قرآنيًا.
وإذا كان هذا هو خطاب القرآن، فإنَّ خطاب النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وخطاب أهلِ بيته (عليهم السَّلام) فكذلك:
• قال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«لا تختلفوا فإنَّ مَنْ كان قبلكم اختلفوا فهلكوا».
• وقال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم):
«لا تختلفوا فتختلف قلوبُكم».
والاختلاف الذي تحذِّر منه الأحاديث هو التباعد والتباغض، والتنازع، والتفرق، والتعادي، والاحتراب، والاقتتال…
وليس المقصود منه: تعدُّد الرؤى، والقناعات، والاجتهادات، فهذا أمر مشروع ما دام مرتكزًا على رُشدٍ وبصيرة وعلم ودراية، وليس على جهلٍ، وعمى، وعصبية، هذه العصبية التي حذَّر منها الدِّين:
• قال النبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«مَنْ تعصَّبَ أو تُعصِّبَ له فقد خَلَع ربق الإيمان من عنقه».
وفي رواية أخرى: «فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».
• وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«مَنْ كان في قلبه حبَّةٌ من خردلٍ من عصبيَّةٍ بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية».


• وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم):
«ليس منَّا مَنْ دعا إلى عصبيَّة، وليس منَّا مَنْ قاتل على عصبيَّة».
• وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام):
«مَنْ تعصَّب عصَّبه الله عزَّ وجلَّ بعصابة من نارٍ».
هنا بعض أسئلة تُطرح:
1-  ما معنى العصبية التي حذَّرت منها الأحاديث؟
2- هل من العصبية أنْ يُحبَّ الإنسانُ قومه أو جماعته، أو أبناء وطنه، أو أبناء مذهبه، أو أبناء لغته؟
3- ما معنى الحديث: «اختلاف أمتي رحمة».


في لقاء قادم إنْ شاء الله سوف نعالج هذه التساؤلات، مع متابعة أهداف الإحياء لمناسبات أهل البيت (عليهم السَّلام).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى