الإمام الحسين الشهيد (ع)من وحي الذكريات

المنبر العاشورائيُّ (كلمة في استقبال شهر محرَّم الحرام 1443هـ)

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الكلمة المركزيَّة التي ألقيت بمناسبة استقبال شهر محرَّم الحرام للعام 1443هـ، وقد تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضي في يوم الخميس بتاريخ: (26 ذو الحجَّة 1442 هـ – الموافق 5 أغسطس 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

المنبر العاشورائيُّ
(كلمة في استقبال شهر محرَّم الحرام 1443هـ)

أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغويّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين المعصومين المنتجبين الأخيار الأبرار.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نحن على مشارف موسم عاشوراء، هذا الموسم المتميِّز بكلِّ أوضاعه الاستثنائيَّة.
إحياءُ موسم عاشوراء يعتمدُ مجموعة من الأعمالِ تسمَّى (مراسيم عاشوراء) أو (شعائر عاشوراء).
هنا سؤال يُطرح:
متى تسمى (الممارسات) شعائر عاشورائيَّة؟
هل كلُّ عمل يصدر في هذا الموسم يُسمَّى شعيرة عاشورائيَّة؟

الممارسات العاشورائيَّة تُصنَّف إلى صنفين:

الصِّنف الأوَّل: ما ورد فيه نصٌّ خاصٌّ عن المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم):
•إقامة مجالس العزاء.
•الحزن والبكاء على الإمام الحسين (عليه السَّلام).
•ارتداء السَّواد حزنًا على الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وعلى مأساة عاشوراء.
•إنشاد الشِّعر في الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وفي قضيَّة عاشوراء.
•زيارة الإمام الحسين (عليه السَّلام).
هذه الأمور المنصوص عليها تُسمَّى باتِّفاق العلماء (شعائر حسينيَّة) أو (شعائر عاشورائيَّة).

الصِّنف الثَّاني: ما لم يرد فيها نصٌ خاص، وإنَّما ينطبق عليها عنوان (أحْيُوا أمْرَنا)، أو يشملها الاطلاق.
•المواكب العزائيَّة.
•اللافتات والأعلام العاشورائيَّة.
•المسارح العاشورائيَّة.
•المراسم العاشورائيَّة.
•المواقع العاشورائيَّة.
•الإصدارات العاشورائيَّة.
هذه كلُّها لم يرد فيها نصٌّ عن المعصومين (عليهم السَّلام)، لكنَّها تُشكِّل وسائل لإحياء موسم عاشوراء.
هذه الأمور هل تُسمَّى (شعائر)؟
وطبعًا إنَّنا لا نتحدَّث عن الممارسات غير المشروعة، وإنَّما نتحدَّث عن الممارسات المشروعة والتي لم يرد فيها نص، فهل نُسمِّيها شعائر أو نُسمِّيها مراسيم عاشورائيَّة؟
وهل الفعَّاليات العاشورائيَّة تُسمَّى شعائر؟
هنا رأيان:
الرَّأي الأوَّل: تُسمَّى شعائر ما دامت مصاديق لإحياء عاشوراء.
الرأي الثَّاني: لا تُسمَّى شعائر وإنَّما (وسائل لإحياء عاشوراء)، أو (مراسيم عاشورائيَّة)، أو (ممارسات عاشورائيَّة)
بشرط أنْ تكون مشروعة (خاضعة للرُّؤية الفقهيَّة).
فربما اقتحم الموسم وسائل لا تملك شرعيَّة أدخلتها أمزجة النَّاس، ولهذه الوسائل الدَّخيلة مردودات سلبيَّة على هذا الموسم وعلى المذهب.

الفارق بين الشَّعائر والمراسيم الأخرى

على المبنى الثَّاني الذي يُميِّز بين الشَّعائر وبقيَّة المراسيم العاشورائيَّة هناك بعض الفوارق:
الفارق الأوَّل: الشَّعائر ممارسات ثابتة، وبقيَّة المراسيم متغيِّرة.
(إقامة المجالس/ الحزن/ البكاء/ إنشاد الشِّعر) هذه أمور ثابتة.
وأمَّا (الوسائل التي تعبِّر عن إحياء عاشوراء) فهي أمور متغيِّرة.
الشَّعائر لا يصحُّ إلغاؤها ولا تجميدها كإقامة المجالس الحسينيَّة، وكالمنبر الحسيني، إلَّا في حالات استثنائيَّة وضروريَّة فوق العادة ولها أحكامها الخاصَّة، لا أن نقوم باختيارنا باستبدال المجالس الحسينيَّة بشيئ آخر أكثر أهمِّيَّة مثلًا، أو أن نقوم باستبدال المنبر الحسيني بمواقع خطابات أخرى، فهذه شعيرة يجب أن تبقى، ويجب أن نحافظ عليها.
بينما الممارسات الأخرى التي لا يصدق عليها أنَّها شعيرة وهي عمل مشروع، فلو رأينا في يوم من الأيام أنَّها لا تؤدِّي وظيفة فيمكن أن نغيِّرها ونأت بأسلوب جديد، لأنَّها ليست شعيرة وإنَّما من مراسيم عاشوراء فيمكن تغييرها واستبدالها بما هو أكثر فاعليَّة، وأكثر تأثيرًا.

الفارق الثَّاني: الشَّعائر تأسَّست في زمن المعصوم، والمراسيم الأخرى تأسَّست في زمن متأخِّر.
إنَّ إقامة المجالس والمآتم، والحزن والبكاء على الإمام الحسين (عليه السَّلام) ليست جديدة، بل كانت في زمن المعصومين (عليهم السَّلام)، فكان الإمام يقيم مأتم الحسين (عليه السَّلام) ولو في إطار محدود.
لكن بقيَّة المراسيم كمرسم عاشوراء مثلًا لم يكن في زمن المعصومين (عليهم السَّلام)، وكالموكب لم يكن في زمن المعصومين (عليهم السَّلام).

الفارق الثَّالث: الشَّعائر لا تحتمل الخطأ، والمراسيم الأخرى تحتمل الخطأ.
لا يمكن القول إنَّ البكاء على الإمام الحسين (عليه السَّلام) خطأ، أو إنَّ إقامة المجالس على الإمام الحسين (عليه السَّلام) خطأ، أو إنَّ إنشاد الشِّعر في الإمام الحسين (عليه السَّلام) خطأ؛ لأنَّه صادر عن المعصوم.
لكن عندما ندخل وسيلة وإن كانت مشروعة فيمكن في يوم من الأيام نكتشف خطأ هذه الوسيلة، فلا توجد مشكلة أن نغيِّرها ونبدّلها.
إذن، هناك فرق بين الشَّعيرة وبين بقيَّة المراسم.

المنبر العاشورائي

أتناول في حديثي هنا واحدًا من أهمِّ عناوين (الموسم العاشورائي)، هذا العنوان هو (المنبر العاشورائي)

متى تأسَّس منبر عاشوراء؟
هذا المنبر تأسَّس منذ عصر المعصومين (عليهم السَّلام)
كان في بداياته مقتصرًا على (الرِّثاء)، ثمَّ دخل عنصر السَّرد التَّاريخي، والتَّحليل التَّاريخي، ودخل الوعظ والإرشاد.
وأخذ المنبر يتطوَّر، إلى أن تأسَّس المنبر المعاصر، وكان أحد أعمدة هذا المنبر المعاصر أمير المنبر الدُّكتور الشَّيخ الوائلي (رضوان الله عليه)، فقد كان أميرًا لهذا المنبر، وكان أحد أعمدة تطوير المنبر، ووصل المنبر إلى المنبر العاشورائي المعاصر.

مسؤوليَّات المنبر العاشورائي المعاصر
المسؤوليَّة الأولى: عرض مأساة عاشوراء
ضرورة أنْ يبقى الحزن العاشورائي، ومظاهر الحزن العاشوائي.
الدَّمعة العاشورائيَّة، الوهج العاشورائي، الألم العاشورائي يجب أن يبقى.
ما هي ضرورة البكاء والحزن؟
أوَّلًا: الثَّواب الكبير على البكاء على الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وعلى مأساة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، ففيها من الأجر والثَّواب العظيم الكبير.
ثانيًا: التَّفاعل الوجداني يُعمِّق العلاقة مع قضيَّة عاشوراء، ويُعطيها فاعليَّة وديمومة.
هناك مَنْ يتعامل مع عاشوراء فكرًا وثقافة ومفاهيم، لكن لا يوجد وجدان ولا عاطفة، هذا تفاعل راكد، مهما ارتقى مستوى الوعي والثَّقافة، يبقى التَّفاعل راكدًا ما دام مفرَّغًا من الجانب الوجداني الشُّعوري العاطفي.
إذن، لا بدَّ من عرض المأساة والحزن والألم العاشورائي، والوهج العاشورائي، والدَّمعة العاشورائيَّة.

مطلوبٌ في عرض مأساة عاشوراء:
أوّلًا: الحذر كلُّ الحذر من اعتماد المرويَّات غير الثَّابتة (الضَّعيفة) من أجل إنتاج الدَّمعة.
ليس المهم هو إبكاء النَّاس بأيِّ أسلوب، حتى لو كان بأساليب غير مشروعة، كاختلاق أحداث وأحاديث وقضايا غير واردة وليست صحيحة، فهذا يؤدِّي إلى الإساءة إلى عاشوراء.

ثانيًا: الحذر كلُّ الحذر من اعتماد الألحان غير المشروعة.
المهارات الصَّوتية أحد عوامل النَّجاح لدى خطباء المنبر العاشورائي كما سيأتي.
لكن يجب أنْ تتكامل (المهارات الصَّوتيَّة) و(المهارات العلميَّة).

المسؤوليَّة الثَّانية: عرض مفاهيم عاشوراء
(1) عرض قضيَّة عاشوراء في منطلقاتها وأهدافها، وفي أحداثها، وفي كلِّ معطياتها.
فعاشوراء منهج، ومدرسة، وإسلام متجسَّد.

(2) عرض مفاهيم الإسلام والقرآن.
(الحذر من المفاهيم التي تتنافى مع الدِّين كالغلو …).
وهنا أشير إلى نقطة خطيرة، فقد صار بعض أصحاب الخطاب العاشورائي سواءً خطيب منبر، أم رادود، أم شاعر، بدأوا يُقحمون مفاهيم غلو منحرفة عن الإسلام، فهذه مفاهيم مرفوضة، يرفضها القرآن والإسلام والرَّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) وأهل البيت (عليهم السَّلام).
فليس باختياري أن أدخل كلَّ مفهوم وأسمِّيه مفهوم عاشوراء، وليس باختياري أن أتحدَّث عن أهل البيت (عليهم السَّلام) كما أشاء، فأحوِّلهم إلى آلهة، وأحوِّل الإمام علي (عليه السَّلام) إلى ربِّ، فهذا غلو، وضلال، وانحراف، وابتعاد عن خطِّ الدِّين والإسلام وأهل البيت (عليهم السَّلام).
•عن الإمام الصَّادق (ع): «…، قُولُوا فِينَا مَا شِئْتُمْ وَاجْعَلُونَا مَخْلُوقِينَ، …» (بحار الأنوار، ج 25، العلامة المجلسي، ص 291)
فالحذر من اقحام مفاهيم الغلو، والمفاهيم التي تنزلق بالإنسان عن خطِّ أهل البيت (عليهم السَّلام).
عاشوراء مفاهيم إسلام، وعاشوراء مفاهيم قرآن، وعاشوراء مفاهيم الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله) والأئمَّة (عليهم السَّلام)، هذه هي مدرسة عاشوراء.
إذن، مطلوب عرض مفاهيم عاشوراء، وقضيَّة عاشوراء، ومفاهيم الإسلام، ومفاهيم القرآن.

(3) عرض أحداث التَّاريخ والسِّيرة.
لا بدَّ للخطيب الماهر القدير الكفوء أن يعرض أحداث التَّاريخ والسِّيرة عرضًا نزيهًا نظيفًا واعيًا بصيرًا.

(4) معالجة قضايا الفكر المعاصر، ومواجهة كلِّ التحدِّيات الثَّقافيَّة.
هناك فكر معاصر، وهناك مفاهيم، وهناك تحديات ثقافيَّة، اليوم أجيالنا الجديدة تواجه تحدِّيات فكريَّة وثقافيَّة، يجب على المنبر أنْ يعالجها، فهذا الجيل الجديد الذي يحضر لمنابرنا يجب أن يسمع شيئًا يعالج تحدِّياته الثَّقافيَّة والفكريَّة والعلميَّة والرُّوحيَّة والأخلاقيَّة.
هل المنبر قادر أنْ يجتذب الأجيال الجديدة؟
قد يقول بعض النَّاس: إنَّ شبابنا وأجيالنا لا يحضرون المآتم، ولا يستمعون إلى خطاب المنبر.
لعلَّ التقصير منَّا نحن أصحاب المنبر، فلم نتمكَّن من أن نجتذب هذا الجيل، ولم نتمكَّن من أن نقرِّب هذا الجيل إلى موسم عاشوراء وإلى خطاب المنبر.
وهذا الكلام موجَّه إلى أصحاب المنبر العاشورائي والَّذين نثمِّن دورهم، ونثمِّن جهادهم، ونثمِّن عطاءهم، بارك الله بهم، هذا الخطاب موجَّه إليهم.
فالمطلوب مِنَ الخطاب العاشورائي أن يُخاطب كلَّ الأجيال، مِنَ الكبار إلى الشَّباب إلى الصِّغار، ومن الرِّجال إلى النِّساء، ومن المستويات المختلفة.
إذن، شريحة الأجيال والشَّباب النَّاهض الجديد، مطلوب أن نعنى باجتذابه إلى أجواء الموسم العاشورائي.
فحتى نُقرِّب الجيل الجديد، وحتى نجعل جيلنا يتفاعل مع خطابنا وخطاب عاشوراء وخطاب المنبر، يجب أوَّلًا وثانيًا وثالثًا.

شروط اجتذاب خطاب المنبر للأجيال الجديدة

يُشترط في خطاب المنبر لكي يجتذب الأجيال الجديدة:
أوّلًا: أنْ يقارب همومَ هذه الأجيال
تحدِّيات خطيرة تواجه هذه الأجيال: تحدِّيات عقيديَّة، ثقافيَّة، أخلاقيَّة، اجتماعيَّة، ….
إذا وجد الجيل الجديد أنَّ المنبر يُحاكي ويُقارب هذه الهموم، فتلقائيًا ينشدُّ إليه، ويرتبط به، ويستمع إليه، لأنَّه يمثِّل معالجة لمشكل يعيشه هذا الشَّاب.
هناك مشاكل عقائديَّة، ومشاكل ثقافيَّة، وتحدِّيات مختلفة تواجه جيلنا، ومن هذه التَّحدِّيات بعض مفاهيم الإلحاد التي بدأت تغزو بعض عقول أجيالنا، ومفاهيم ضالَّة مُضِلَّة بدأت تغزو ذهنيَّات بعض أجيالنا، ومفاهيم خطأ بدأت تغزو ذهنيَّات أجيالنا.
إذن، هنا مطلوب من الخطاب المنبري، ومطلوب من خطاب عاشوراء الذي يحتضن كلَّ الشَّرائح أن يعالج مشاكل وتحدِّيات وهموم هذه الأجيال، الهموم العقيديَّة، والهموم الثَّقافيَّة، والهموم الأخلاقيَّة، والهموم الاجتماعيَّة.

ثانيًا: أنْ يُقارب عقل الأجيال
هذا العقل الذي تشكَّل وِفَق معطيات هذا العصر.
صحيح أنا سأقارب هموم، لكن بأيِّ عقل؟
الجيل الجديد تشكَّل عقله بطريقة جديدة، فهل أقدر أنا صاحب الخطاب الدِّيني أو صاحب الخطاب العاشورائي أن أخاطب جيلًا بمستوى عقل هذا الجيل؟
أم أنَّ هذا الجيل سيعتبر خطابي متخلِّفًا، وسيعتبر خطابي متدنِّيًا؟ ولا يرتقي إلى مستوى عقله، حيث هناك عقل متقدِّم، وهناك عقل مثقَّف.
إذن، يحتاج الخطاب أن يقارب عقل الأجيال.

ثالثًا: أن يقارب لغة الأجيال
(مفاهيم المفردات والمصطلحات)
أجيالنا الجديدة تعوَّدت على لغة جديدة، لغة برامج ولغة تلفاز ولغة صحافة، وهذا لا يعني أن نترك لغتنا الأصيلة ولغة القرآن، لكن أيضًا مطلوب أن نخاطب الأجيال باللُّغة التي تفهمها.
{مَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ …}. (سورة إبراهيم/4)
{بِلِسَانِ قَوْمِهِ}: ربما ليس المقصود فقط لغة القوم، وإنَّما لعلَّ المقصود اللُّغة التي يفهمها القوم ويفهمها النَّاس.
فأنا حينما أتحدَّث مع الأجيال الجديدة بلغة وإن كانت معمَّقة، وإن كانت قويَّة لكنَّها لغة لا يفهمها هذا الجيل، فنحن بحاجة أن نقارب المفاهيم بلغته.
هذه ثلاثة أمور أساس مطلوبة من خطاب المنبر:
أوَّلًا أن يُقارب المنبر هموم الأجيال.
ثانيًا: أن يُقارب عقل الأجيال.
ثالثًا: أن يُقارب لغة الأجيال.
إذن، هذه المسؤوليَّة الثَّانية: عرض مفاهيم عاشوراء.

المسؤوليَّة الثَّالثة – من مسؤوليَّات المنبر العاشورائي -: عرض قِيم عاشوراء الرُّوحيَّة والأخلاقيَّة والسُّلوكيَّة والاجتماعيَّة.

ليس فقط عرض مفاهيم، وإنَّما عرض قِيَم، فعاشوراء قِيَم روحيَّة وقِيَم أخلاقيَّة وقِيَم سلوكيَّة واجتماعيَّة.
فمطلوبٌ من خطاب عاشوراء:
(1) أنْ يُحصِّن الأُمَّة روحيًّا.
(2) أنْ يحصِّن الأُمَّة أخلاقيًّا.
(3) أنْ يحصِّن الأُمَّة سلوكيًّا وتقوائيًّا.
(4) أنْ يحصِّن الأُمَّة اجتماعيًّا.
•التَّواصل الاجتماعي والتَّحذير من الصِّراعات المدمِّرة.
الصِّراعات الطَّائفيَّة، الصِّراعات المذهبيَّة، الصِّراعات الاجتماعيَّة، الصِّراعات القبليَّة، الصِّراعات العشائريَّة، هذه صراعات يجب أن تنتهي، فعاشوراء جاءت من أجل أن تُلغي الصِّراعات إلَّا صراع الحقِّ والباطل، صراع الإيمان والكفر، صراع الهدى والضَّلال، وأمَّا الصِّراعات الأخرى فيجب أن تنتهي.
•تنشيط العمل الاجتماعي.
•تنشيط التَّكافل الاجتماعي خاصَّة في ظروف الأزمات.
•معالجة المشاكل الاجتماعيَّة.

المسؤوليَّة الرَّابعة: تنشيط حركيَّة عاشوراء

عاشوراء ليس فقط مفاهيم، وإنَّما عاشوراء حركة، وعاشوراء جهاد، وحينما نتحدَّث عن الجهاد لا نتحدَّث عن فوضى، ولا نتحدَّث عن انفلات، ولا نتحدَّث عن هيجان غير مدروس.
وإنَّما حركيَّة عاشوراء هي:
(1) الدَّعوة إلى الله تعالى، ودعوة إلى المُثُل، ودعوة إلى القِيَم.
(2) الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
(3) دعم الفعَّاليَّات التي تخدم أهداف الدِّين.
•الفعَّاليَّات الثَّقافيَّة: عندنا فعَّاليَّات ثقافيَّة تخدم الإسلام، فيجب على منبر عاشوراء أن يخدمها ويدعمها.
•الفعَّاليَّات التَّعليميَّة: عندنا فعَّاليَّات تعليميَّة تخدم الإسلام والدِّين، فيجب على منبر عاشوراء أن يدعمها.
•الفعَّاليَّات القرآنيَّة: عندنا فعاليَّات قرآنيَّة تخدم الإسلام وتخدم الدِّين، فيجب على خطاب عاشوراء أن يدعم هذه الجمعيَّات القرآنيَّة.
-دعم الجمعيَّات القرآنيَّة تجسيد لأهداف عاشوراء.
-مشروع (طوبى القرآني) يتزامن مع موسم عاشوراء.
ينطلق هذه الأيام – أيام موسم عاشوراء – مشروع (طوبى القرآني)، وهو مشروع من أرقى وأنضج المشاريع القرآنيَّة، حيث تنطلق المرحلة العمليَّة لجمع التبرُّعات في موسم عاشوراء، وهذا تزامن واعٍ وموفَّق أن يتزامن تنشيط حركة مشروع قرآني في موسم عاشوراء.
فإذن، موسم عاشوراء هو موسم القرآن.

في ضوء هذه المسؤليَّات أؤكِّد بشكلٍ سريع جدًّا:

مؤهلات خطيب المنبر العاشورائي

(1) المؤهلات العلميَّة والثَّقافيَّة.
‌أ-التَّوفُّر على دراسة حوزويَّة كافية.
‌ب-التَّوفُّر على ثقافة قرآنيَّة.
‌ج-التَّوفُّر على ثقافة تاريخيَّة.
‌د-التَّوفُّر على ثقافة إسلاميَّة تؤهِّله لأداء مسؤوليَّاته.
‌ه-التَّوفُّر على ثقافة عصريَّة.

-إنّ المعايير العلميَّة (المهارات العلميَّة) مطلوبة إلى جانب (المهارات الفنِّيَّة)، كما أنَّ المهارات العلميَّة مطلوبة كذلك المهارات الفنِّيَّة الخطابيَّة مطلوبة.
-المعايير الصَّوتيَّة (المهارات الصَّوتيَّة) المشروعة مطلوبة.
فإذن، ضرورة التَّكامل.
-والحذر كلُّ الحذر من الألحان الغنائيَّة
اليوم بدأت تقتحم ردَّاتنا وشيلاتنا بعض الألحان الغنائيَّة المحرَّمة.
-الموسيقى في العزاء العاشورائي
بل حتى الموسيقى المحرَّمة بدأت تدخل في مراسيم عاشوراء.
-غياب الرَّوحانيَّة ممَّا يُفقد مراسيم عاشوراء رَوحانيَّتها، فيجب أن نحافظ على روحانيَّة عاشوراء.
هذا مؤهَّل علمي وثقافي، ضرورة أن يتوفَّر في منبر عاشوراء.

(2) المؤهلات الرُّوحيَّة: التوفُّر على درجة عالية من الإخلاص.
بقدر ما يكون خطيب المنبر مخلص لله ولخطِّ عاشوراء، يكون موفَّقًا، لأنَّ هذا خطاب الإخلاص، وخطاب الإيمان، وخطاب العلاقة مع الله.
أ- الخطيب الرَّبَّاني
الذي يعمل مخلصًا لله، ولا مانع أن يأخذ أجرة على جهده، فهذا جهد فيه تحضير وتعب، ومن حقِّه أن يأخذ أجرة على عمله، لكنَّه لا يعمل من أجل الدُّنيا فقط ومن أجل الأجرة، وإنَّما يعمل من أجل خدمة أهداف الإسلام وخدمة أهداف الدِّين.
هذا خطيب نسمِّيه خطيب ربَّاني، يخدم أهداف الرَّب، وأهداف الدِّين، وأهداف القرآن، وأهداف عاشوراء.

ب- خطيب الدُّنيا (الشُّهرة/ المال/ المصالح الذَّاتيَّة)
وخطيب دنيا يحبُّ شهرة، ويحب مالًا، ويحب مصالح ذاتيَّة، هذا خطيب دنيا، وهذا ظاهره كبير لكنَّ باطنه عند الله قليل.
•قال أبو جعفر الباقر (عليه السَّلام): «مَنْ كان ظاهره أرجح من باطنه خفَّ ميزانه». (الصَّدوق: الأمالي، ص 580، (المجلس الرابع والسبعون)، ح 798/11.)
•«إنَّ العَبْدَ لَيُنْشَرُ لَهُ مِن الثَّناءِ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ وما يزن عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ». (صدر المتألهين: شرح أصول الكافي 2/464، ح 4).
إذن، نحن نطلب منبرًا ربَّانيًّا.

(3) المؤهلات الأخلاقيَّة والسُّلوكيَّة:
مطلوب في خطيب المنبر: الصِّدق، الأمانة، العفَّة، التَّواضع، التَّقوى، الورع …
•{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} (الصَّف/2)
نحن نريد أن نصنع ورع النَّاس، وتقوى النَّاس، وصلاح النَّاس، فيجب عليَّ أنا العالم والموجِّه والمربِّي أن أكون أكثر النَّاس تقوى وورع وصلاح.
لا يصحُّ أن أقول للنَّاس اتَّقوا الله وأنا آخر من يُفكِّر في التَّقوى.
ولا يصحُّ أن أقول للنَّاس كونوا أمناء وأنا آخر من يفكِّر في الأمانة.
ولا يصحُّ أن أقول للنَّاس كونوا صادقين وأنا آخر من يفكِّر في الصِّدق، والعِفَّة، والتَّواضع.
•الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) – في وَصِيَّتِهِ لأَبي ذَرٍّ -: «يا أبا ذَرٍّ، يَطَّلِعُ قَومٌ مِن أهلِ الجَنَّةِ إلى قَوم مِن أهلِ النَّارِ، فَيَقولونَ: ما أدخَلَكُمُ النّارَ، وإنَّما دَخَلنَا الجَنَّةَ بِفَضلِ تَأديبِكُم وتَعليمِكُم؟! فَيَقولونَ: إنّا كُنّا نَأمُرُكُم بِالخَيرِ ولا نَفعَلُهُ». (الطُّوسي: الأمالي، ص 538، (مجلس 4 محرم 457 هـ).

نجاح الموسم العاشورائي

مكوِّنات نجاح الموسم العاشورائي

المُكوِّن الأوَّل: إدارات ناجحة

وهنا أُثمِّن دور الإدارات النَّاجحة التي تملك:
•الوعي
•الإخلاص
•الالتزام الدِّيني والأخلاقي
•امتلاك رؤية فقهيَّة
•الكفاءة الإداريَّة
بارك الله في جهود الإدارات المخلصة الصَّادقة.
هذا مكوِّن أساس لنجاح الموسم، وفشل الإدارات فشلٌ كبير للموسم.

المُكوِّن الثَّاني: خطاب ناجح (تقدَّم الحديث عن مسؤوليَّات الخطاب)

•خطاب المنبر
•خطاب الموكب: الرَّدَّات، الشِّيلات، القصائد
•الشِّعارات واللَّافتات

المُكوِّن الثَّالث: جمهور عاشورائي ناجح

جمهور المجالس/ جمهور المواكب/ جمهور عاشوراء بشكلٍ عام.
الجمهور الذي يملك:
-الوعي العاشورائي
-الوجدان العاشورائي
-الرَّوحانيَّة العاشورائيَّة
-الأخلاق العاشورائيَّة
-التَّقوى العاشورائيَّة
-الرِّساليَّة العاشورائيَّة
هذا جمهور عاشوراء الذي يجسِّد عاشوراء، ويجسِّد مفاهيم عاشوراء.

المُكوِّن الرَّابع: أجواء عاشورائيَّة ناجحة

•الحفاظ على قداسة ونظافة الأجواء العاشورائيَّة.
•الابتعاد عن كلِّ السُّلوكيَّات التي تتنافى مع قداسة ونظافة الأجواء العاشورائيَّة.
-الاختلاط: لا يصحُّ في عاشوراء الاختلاط غير المشروع.
-الأزياء التي تُسيئ إلى المظهر العاشورائي: لا يصحُّ في عاشوراء لبس أزياء لا تتناسب مع موسم وأجواء الدِّين وأجواء عاشوراء.
-ممارسات منحرفة: لا يصحُّ في عاشوراء أن نمارس ممارسات منحرفة.
-عدم الالتزام بأوقات الصَّلاة: لا يصحُّ في موسم عاشوراء أن نشتغل بالمراسيم ونترك وقت الصَّلاة.
هذه كلُّها تتنافى مع عاشوراء.
إذن، هناك ضرورة لوجود أجواء عاشورائيَّة، وهذا يعني ضرورة وجود هيئات إشراف تشرف على عاشوراء.

عاشوراء في زمن الوباء

هنا تواجهنا ضرورتان:
الضَّرورة الأولى: ضرورة إحياء موسم عاشوراء
موسم عاشوراء لا يتعطَّل، يجب أن يُحيى، ويجب أن يبقى.
والإحياء يعني إقامة المراسيم المعروفة في هذا الموسم.
وحينما نتحدَّث عن موسم عاشوراء نتحدَّث عن (مجالس العزاء)، و(مواكب العزاء)، و(مظاهر الحزن العاشورائيِّ كالأعلام والسَّواد واللَّافتات).

الضَّرورة الثانيَّة: ضرورة الاحتراز التَّام في مواجهة الوباء، واعتماد كلِّ الوسائل الضَّروريَّة التي تقرِّرها الكوادر الطبيَّة المتخصِّصة.

وهذه الاحترازات الوقائيَّة تفرضها:
•ضرورات الدِّين.
•وضرورات العقل.
•وضرورات الصِّحَّة.
فالتَّخلِّي عن هذه (الاحترازات) يُشكِّل تجاوزًا لضرورات الدِّين والعقل والصِّحَّة.

خيارات ثلاثة

هنا نحن أمام ثلاثة خيارات – في ظلِّ هاتين الضَّرورتين: ضرورة إحياء الموسم، وضرورة الاحتراز في مواجهة الوباء -:
الخيار الأوَّل: التَّخلِّي عن إحياء الموسم العاشورائي
لا داعي لإحياء الموسم، فنجمِّده هذه السَّنة ما دامت الاحترازات مطلوبة.
هذا خيار مرفوض، لأنَّنا قلنا بضرورة إحياء الموسم بأيِّ طريقة تكون، فمِنَ الضَّرورة أن يبقى الموسم، وخيار أن نجمِّد ونلغي الموسم والمراسيم هذا خيار مرفوض.

الخيار الثَّاني: التَّخلِّي عن الالتزامات الاحترازيَّة
لا داعي للالتزامات ما دمنا في سبيل الإمام الحسين (عليه السَّلام)، فدعنا نتجاوز الالتزامات، وهذا خيار مرفوض مرفوض مرفوض جدًّا، فقد قلنا إنَّ الدِّين يأمر والعقل يأمر والصِّحَّة تأمر بالاحترازات.

إذن، الخيار الأوَّل مرفوض وهو التَّخلِّي عن إحياء الموسم العاشورائي، والخيار الثَّاني مرفوض وهو التَّخلِّي عن الالتزامات الاحترازيَّة.

الخيار الثَّالث: التَّوفيق بين (الإحياء) و(المحافظة على جميع الاحترازات الوقائيَّة)
وبإمكاننا أن نوفِّق، يبقى الإحياء وتبقى الاحترازات الوقائيَّة قائمة، لا نتخلَّى عن الإحياء ولا نتخلَّى عن الاحترازات.
وهذا هو الخيار المقبول، ما دام هناك إمكانيَّة للتوفيق بين (الإحياء) و(الحفاظ على الاحترازات).

وإنَّني أثمِّن كلَّ الجهود المبذولة الرَّسميَّة وغير الرَّسميَّة، من أجل إحياء هذا الموسم، ومن أجل الحفاظ على أهدافه الكبيرة، وبقدر ما تتآزر الجهود وتتكامل يكون النَّجاح أكبر، ويكون الإحياء أكثر مصداقيَّة.
سدَّد الله كلَّ الخُطى، وتقبَّل الله الأعمال.

وآخر دعوانا أنْ الحمد الله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى