الإمام الحسين الشهيد (ع)من وحي الذكريات

حديث الأربعين: وقفة مع مأساة عاشوراء – وقفة مع التداعيات السياسية في الساحة المحلية

بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين وأفضل الصّلوات على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيّبين الطاهرين..
السّلام عليك يا أبا عبدالله الحسين
..


الملايين الزاحفة من عشّاقك يتّجهون نحو مرقدك المقدّس في كربلاء الشّهادة، يضعون بين يديك الولاء كلّ الولاء..
وهناك هناك على أرض البطولة، تشدّهم ذكريات الفاجعة، وأحداث الظهيرة من يوم عاشوراء…
حيث وقفت يا أبا عبدالله تخاطب القوم:
= أنشدكم الله انسبوني من أنا؟
– أنت الحسين سبط رسول الله.
= أنشدكم الله هل تعلمون أنّ أمّي فاطمةُ بنت محمد؟
– اللهمّ نعم.
= أنشدكم الله هل تعلمون أنّ أبي عليّ بن أبي طالب؟
– اللهمّ نعم.
= أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول الله أنا متقلده؟
– اللهمّ نعم.
= هل تعلمون أنّ هذه عمامة رسول الله أنا لابسها؟
– اللهمّ نعم.
= فبم تستحلون دمي؟
– قد علمنا ذلك كلّه، ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشا.


• ماذا صنع القومُ ظهيرة عاشوراء؟
قتلوا شبل الحسين عليًا الأكبر، جاءته طعنة رمحٍ غادرة أصابته في ظهره، ورمي بسهم وقع في حلقه، وهوى على رأسه سيفٌ مشؤومٌ فلق هامته، وتسارعت السّيوف والسّهام والرّماح تمزّق جسده، سقط على الأرض متسربلًا بالجراح ومتوشّحًا بالدّماء، مناديًا «أبتاه عليك مني السّلام».


• ماذا صنع القومُ ظهيرةَ عاشوراء؟
قتلوا القاسم غلامًا لم يبلغ الحلم، تقدّم نحوه لئيمٌ غاشمٌ وامتدت يده الحاقدة لتهوي بالسيف على رأس الغلام، سقط القاسم على الأرض يفحص برجليه وأرسل كلماته إلى الحسين «عمّاه أدركني».
• وماذا صنع القومُ ظهيرةَ عاشوراء؟
فجعوا الحسينَ في أخيه أبي الفضل العباس…
جاءته ضربةُ سيفٍ لئيمٍ قطعت منه اليمين..
وجاءته أخرى قطعت منه الشمال..
وأنطلق سهمٌ طائشٌ أصاب القربة فأريق ماؤها..
وقف العباس حائرًا…
فجاءه سهمٌ أهوج استقرّ في إحدى عينيه..
وجاءه سهمٌ آخر أصاب صدره…
وهوى عمودٌ طائشٌ فلق هامته..
فانقلب عن ظهر فرسه، مثقلًا بالجراحات ونزف الدّماء مناديًا «عليك مني السّلام أخي حسين».


• وماذا صنع القومُ ظهيرةَ عاشوراء؟
ذبحوا الطفل الرّضيع… حمل الحسين طفله الرضيع، توجّه نحو القوم يطلب له قطرةَ ماء «أرحموا هذا الرضيع، فقد تفتّت كبده من الظّمأ وغارت عيناه من العطش».
اختلف القوم، قال بعضُهم: ما ذنب الصغار، وقال آخرون: لا تبقوا لأحدٍ من هذا البيت باقية وقطع حرملة اللعين نزاع القوم، فأرسل سهمًا ذبح الطفل الرضيع من الوريد إلى الوريد وهو في حضن أبيه الحسين….


• وماذا صنع القومُ ظهيرةَ عاشوراء؟
ازدحموا على ابن فاطمة، فرقةٌ بالسيوف، وفرقةٌ بالرّماح، وفرقةٌ بالسهام، وفرقةٌ بالحجارة…..
والحسين وحيدٌ فريدٌ يكثر من قول «لا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم»..
بقيَ الحسين يقاتل وقد أثقلته الجراحات، وأرهقته نزف الدّماء…
وبينما السبطُ يقاتل جاءه سهمٌ غادر وقع في جبهته، وجاءه حَجرٌ أصاب جبهته..
رفع الثوب يمسح الدّم «فجاءه سهمٌ مثلثٌ اخترق قلبه المقدّس»..
خرجت زينب ابنة عليٍّ من الفسطاط إلى جهة الحسين ومعها النساء والأرامل والأيتام «وإذا بالشّمر اللعين يجثم فوق صدر الحسين، قابضًا على الشيبة الطاهرة يحزُّ نحر الحسين حتى فصل الرأس المقدّس»..


• وماذا صنع القومُ ظهيرةَ عاشوراء؟
سلبوا الجسد الطريح.. سلبوا قميصه، سلبوا عمامته، سلبوا نعليه، سلبوا سيفه، سلبوا قطيعته، سلبوا ثوبه الخَلِق..
وجاءه بجدل فرأى الخاتم في أصبع الحسين والدّماء عليه فقطع الإصبع وأخذ الخاتم.
وجاءه رجلٌ لئيمٌ فأراد سلب تكّة الحسين فوضع الحسين يده اليمنى عليها فقطع الرّجلُ يمينَ الحسين، فوضع الحسين يده اليسرى عليها، فقطع اللئيم يسار الحسين…
ثم أوطأوا الخيل جسد الحسين..


• وماذا صنع القومُ ظهيرةَ عاشوراء؟
هجم القوم على خيام النبوّة…
أضرموا النّار في أخبية النبوّة..
فرّ النساء والأطفال..
وامتدت الأيدي الحاقدة، تنهب المتاع، وتسلب النساء والأطفال… والسّجاد العليل ينادي: «عليكنّ بالفرار يا بنات رسول الله»..
 ونبقى نبكي الحسين….
 وهكذا تبقى الدّمعة الحسينيّة، مهما حاول الطّغاة أن يحاصروا هذه الدّمعة….
 الدّمعة التي تفجّر في الوجدان الشيعيّ فورانًا لا يهدأ… فورانًا لا يعني مجرّد اشتعالٍ وتأجّجٍ في المشاعر، ولا يعني غليانٍ في العواطف..
 الفوران الحسينيّ صرخةٌ غاضبةٌ ترفض الظلم والقهر والاستبداد، ترفض كلّ أشكال العبث بالحقوق والكرامات، ترفض الذّل والهوان….
 ربّما لا تصغي الأنظمة المتسلّطة إلى هذه الصّرخات الغاضبة، الرافضة، المطالبة…
 ربّما تقابلها بالقمع والعنف والإرهاب…
 ربّما تحرّك ضدها أعلامًا مُضلِّلًا ومشوّها…
 وربّما.. وربّما…
 إلّا أنّ هذه الصرخات تبقى علامةً بارزةً على «صحوة الجماهير»، وعلى «إصرار وصلابة الجماهير».
الجماهير مطلوبة أن تطلق «الصرخة الغاضبة الرافضة المطالبة»..
 
ولكن:
• متى يجب أن تطلق الصرخة؟
• وكيف تطلق الصرخة؟
احتجاج هادئ؟ احتجاج صارخ؟
خيارات أخرى؟
• وما هو مستوى التضحية التي يجب أن تقدّمها الجماهير من أجل أن تطلق الصرخة؟
ملاحقات ومطاردات؟
أموال وممتلكات؟
ووظائف ومواقع؟
سجون وزنزانات؟
دماءٌ وأرواح؟
 الجماهير يجب أن تكون في أعلى مستوى من «الجاهزيّة» لإطلاق الصرخة…
 أمّا: متى وكيف وماذا تعطي من تضحيات؟
 هنا يأتي «دور القيادة» التي آمنت بها الجماهير، لتقود حِراكها الدّينيّ والسّياسيّ…
 إنّها «القيادة المرجعيّة» الممثّلة في «الفقهاء العدول المؤهّلين» وفي امتدادات المرجعيّة الممثّلة في «العلماء الصالحين المعتمدين»..


 قد يقال:
 إنّ مهمّة الفقهاء والعلماء تحديد الوظيفة الدينيّة، وأمّا الوظيفة السّياسيّة فلا تدخل في صلاحيّاتهم…
 هذا كلامٌ مرفوض، فقيادة الفقهاء والعلماء تتسع لكلّ ما تتسع له صلاحيات الدّين ومسؤوليّاته…
 وتُطرَح إشكاليّة أخرى:
 هل من صلاحيّات الفقيه الجالس في النّجف الأشرف أو في قم المقدّسة أو في لبنان أن يحدّد الوظيفة السّياسيّة للشيعة في البحرين أو في أيّ بلدٍ آخر، ألّا يشكّل هذا تدخّلًا في السِّياسات المحليّة للبلدان؟


 الجواب:
 الفقهاء في النجف أو في قم أو في أيّ موقع آخر – ولاعتباراتٍ كثيرةٍ – لا يسمحون لأنفسهم بالتدخّل في الشؤون السّياسيّة الداخليّة الخاصة بالبلدان الأخرى وهذا واضحٌ من سيرتهم….
 ثمّ إنّهم دائمًا يرجعون الشيعة – فيما يتصل بالشأن السّياسيّ الداخليّ لبلدانهم – إلى العلماء المعتمدين الموثوقين في هذه البلدان، كون هؤلاء العلماء المحليين أقدر على تشخيص الواقع الموضوعيّ الذي يحكم العمليّة السّياسيّة في تلك البلدان….
حتى في القضايا الفقهيّة التي تحتاج إلى تشخيص موضوع فهم يحوّلون الأمر إلى وكلائهم في المناطق مثلًا: لو قُدّم سؤال إلى الفقهاء عن «كادر الأئمة» أو عن «ضوابط الخطاب الدّينيّ» الفقهاء هنا في حاجة إلى تشخيصٍ موضوعيٍّ حول مثل هذه القضايا، وعلماء البلد المعتمدون هم الذين يشخّصون هذا الأمر…
 إنّ الضجّة المفتعلة التي يثيرها – بين الحين والآخر – صنّاع الفتن الطائفيّة وأصحاب الخطابات الحاقدة في اتهام الشيعة أو بعض الشيعة بأنّهم يتسلّمون التوجيهات في الشأن السّياسيّ من الخارج، أو أنّهم يشكّلون خلايا نائمة لدول خارجيّة، هذا افتراءٌ خبيثٌ يصبّ في مشروعٍ خطيرٍ يستهدف الشيعة، إنّ التقرير المثير «تقرير البندر» يؤكّد وجود هذا الاستهداف، ورغم الإصرار والمطالبة على كشف ملابسات هذا التقرير إلّا أنّ السلطة لا زالت تقابل ذلك بصمتٍ كبير، بل إنَّ القرارات والممارسات المتتالية الصادرة عن مؤسسات السلطة تبرهن على وجود هذا التوجّه.
 فالتجنيس المرعب، والتمييز الصارخ، والبطالة القاتلة، وقرار المساجد والحسينيّات، وقرار الضّوابط، وكادر الأئمة و… و…. أمورٌ تؤكّد سياسة الإقصاء والمصادرة….
 فحينما يصرخ أبناء هذه الطائفة ضدّ هذا الوضع الجائر…
 حينما يصرخون ضدّ سياسة الإلغاء والتهميش..
 حينما يطالبون بالحقوق المهدورة…
 حينما يطالبون بإصلاحات حقيقيّة…
 حينما يقولون أنصفونا في الوظائف (نسبة الوظائف التي يشغلها الشيعة في جميع مؤسسات الدولة (12%) فقط…..
 حينما يقولون: أنصفونا في مناهج التعليم… (قالوا لنا قدموا ملاحظاتكم حول المناهج قدّمنا الملاحظات/ شكّلت لجنة تضمّ أكثر من عشرين أستاذا وتضمّ هذه اللجنة اثنين فقط من الشيعة/ وماذا كانت النتيجة؟)
 حينما يقولون: لقد ظُلمنا في العمليّة الانتخابيّة (توزيع الدوائر الانتخابيّة توزيع جائر)
 وحينما يقولون… وحينما يقولون…
 وحينما يتظاهرون، وحينما يعتصمون…
 إنّهم ليسوا خونة، ولا متآمرين، ولا أعداء لهذا الوطن، ولا عابثين بالأمن والاستقرار، ولا عملاء للخارج……
 لا ندري متى سيُعتبر هؤلاء مواطنين في هذا البلد، ولهم كلّ حقوق المواطنة…
 لا ندري متى سيعطى هؤلاء شهادة الولاء لهذا الوطن؟ وهم الذين تجذّروا في هذه الأرض بتجذّر الإسلام؟
 ليس حديثي تحريضًا وتحشيدًا ضدّ النّظام، ولست داعية فوضى وانقلاب، فأنا لا أومن بأيّ أسلوبٍ يدفع في اتجاه العبث بأمن هذا الوطن، إلّا أنّي أقول إنّ السلطة لا زالت مصرّة على نهجٍ خاطئ….
 هذا هو سماحة الشيخ عيسى قاسم يدعو ومنذ زمنٍ طويلٍ إلى فتح أبواب الحوار الجاد من أجل معالجة الأوضاع المتأزمة…
 هذه هي الرّموز العلمائيّة والسّياسيّة تدعو إلى فتح أبواب الحوار….
 وهذه جمعية الوفاق تطرح مبادرتها لحلحلة الأوضاع في ذكرى الميثاق..
 إنّها الفرصة الحقيقيّة لفتح صفحةٍ جديدةٍ في العلاقة بين السلطة وكلّ القوى الدينيّة والسّياسيّة، ومع كلّ الجماهير من أبناء هذا الوطن… هذه القوى وهذه الجماهير التي عبّرت بصدق عن ثقتها بمشروع الإصلاح السّياسيّ وصوّتت للميثاق على أمل أن تتحقّق لها مطالبها العادلة، وتتخلّص من أزماتها الصعبة..


فهل تستجيب السلطة لهذه النداءات الصادقة والمبادرات المخلصة؟
 فتبادر إلى:

• تطهير السّجون من كلّ المعتقلين السّياسيّين، والمعتقلين في الأحداث الأخيرة..
• وتجميد كلّ المعالجات الأمنيّة..
• والبدء بحوارٍ وطنيٍّ جاد…
• وفتح كلّ الملفات العالقة…..
أليست هذه العناوين من أهمّ ما أطلق في بدايات التأسيس لمشروع الإصلاح السّياسيّ؟
وفي بدايات التأسيس لانطلاق الميثاق؟
أين التطمينات التي أعطوها للعلماء وللرّموز السّياسيّة من أجل الدفع في اتجاه التصويت للميثاق؟


في ذلك الوقت طالب العلماء والرّموز السّياسيّة – وقبل التصويت على الميثاق – بالحصول على «تطمينات وتأكيدات» حول مجموعة أمور من أهمّها:
• عودة دستور 73
• أن تكون الصلاحيّة التشريعيّة الكاملة للمجلس المنتخب فقط.. وأمّا مجلس الشورى فهو استشاريّ بحت..
• إلغاء قانون أمن الدولة ومحاكم أمن الدولة.
• إنهاء كلّ أشكال التمييز
• حماية البلاد من مشروعات الفساد الأخلاقيّ التي تعبث بهوية هذا الوطن..
وتمت لقاءات وجلسات على أعلى المستويات، وصدرت «التأكيدات والتطمينات المغلّظة» بعضها شفويّ وبعضها مكتوب…
– صدرت تأكيدات وتطمينات من عاهل البلاد
– صدرت تأكيدات وتطمينات من ولي العهد
– صدرت تأكيدات من مسؤولين كبار آخرها ما صدر عن وزير الشؤون الإسلاميّة الشيخ عبد الله بن خالد قبل التصويت على الميثاق بيومين أو ثلاثة أيام…
ومن الوثائق التي تحمل هذه التأكيدات والتطمينات التوقيع من قبل عاهل البلاد نفسه، على الكلمة التي ألقيتُها حينما زار الأمير مجلسَ السيد علوي الغريفي..


مقتطفات من هذه الوثيقة:
بعد المقدّمة تمّ التأكيد على مجموعة أمور من أهمّها:
1- الهمّ الأخلاقيّ في البلد.
2- الهمّ الثّاني فمن أولويات الإصلاح المبادرة العاجلة جدًا إلى توفير فرص العمل والتوظيف، وتهيئة ضمانات العيش الكريم، ليتحوّل هؤلاء الذين عاشوا معاناة التعطّل والحرمان إلى قوى فاعلة منتجة تساهم بما تملك من كفاءات وقدرات في حماية نهضة البلد وازدهاره وأمنه واستقراره، وصيانة كلّ المكتسبات في مسيرة الإصلاح والبناء.
3- الهمّ الثالث: الأسرة الواحدة الشعار الكبير في خطابات المرحلة… وإنّنا بكلّ صدقٍ نؤكّد التعاطي مع هذا الشّعار، ونتمنى أن يتابع صاحب السّمو بنفسه تفعيل هذا الشعار لمواجهة كلّ الممارسات الخاطئة التي تعاني منها بعض المؤسسات والدوائر في ما هو التمييز بسبب هذا العنوان أو ذاك العنوان.
4- الهمّ الرابع: وشعبكم يقترب من يوم الاستفتاء على الميثاق الوطني، يحمل معه تفاؤلًا كبيرًا ممزوجًا ببعض الهواجس، والإشكالات والتساؤلات… وإننا نطمع أن يؤكّد لنا صاحب السّمو – شخصيًا -:
– أولًا: حاكميّة الدستور على الميثاق وأن لا مساس بأي شيء من الثوابت الدستوريّة.
– ثانيًا: الصلاحيّة التشريعيّة الكاملة للمجلس المنتخب.
– ثالثًا: البدء الفوري المرحلي بتطبيق الميثاق بعد التصديق عليه.
– رابعًا: النيّة الجادّة في الإسراع بتفعيل الدستور.
– نتمنى أن تصدر مذكرة توضيحيّة رسميّة لمواجهة كلّ الغموضات وإزالة كلّ الهواجس.


 


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى